منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - السخرية ذروة الألم
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2008, 09:34 AM   #1
حسين الراوي
( كاتب )

افتراضي السخرية ذروة الألم


بسم الله الرحمن الرحيم


تعتبر الكتابة الساخرة الواعية من أجمل أنواع الكتابات وأصعبها بلا شك، فالسخرية الحقّة هي قمة الإحساس بأهمية الأمر، وهي الضحكة المُرّة بوجهٍ باسم، وهي الشعور الحزين بثوب متفائل، وهي المعبر الكبير نحو الأمل رغم زيف الضحكات. لن تكون الكتابة الساخرة كتابة جميلة إلا بتمييز الكاتب الفرق بين السخرية المسؤولة الواعية وبين السخرية لمجرّد السخرية ولمجرّد الاستنقاص من قدر الآخرين والتجريح بهم. الكتابة الساخرة تريد من الكاتب قبل ارتكابها أن يمسك في يده مشرطاً لا قلما، حتى يكون دقيقاً في سير سطوره، وحتى يتسنى له أن ينتقل من فقرة لفقرة بخفة وسهولة، وحتى يتوّجس بمشرطه أين يكون مصدر الألم. يظن بعض الكُتاب للأسف أن الكتابة الساخرة هي مجرّد التهريج بتوافه الأمور، والتجريح بكرامة الآخرين، وتعاطي كلمات ومصطلحات سوقية عدة عبر كتاباتهم! لا، إن الكتابة الساخرة لا يُجيد قيادتها كل كاتب أراد أن يمتطي صهوتها إلا من كان فعلاً ذو روح ساخرة حيث أن فاقد الشيء لا يعطيه، وهي أرفع قدراً من التجريح والتهريج، لأن السخرية الواعية المسؤولة هي أداة من أدوات التوجيه والنقد، ولا شك أنها تضع الإصبع فوق الجرح، وتبين مكمن الضعف والخلل، ولكن بشكل وأسلوب غير مباشر. يقول الكاتب التركي الساخر عزيز نيسين: «من يكتب السخرية بكل وعي سيتقبل الجميع سياط قلمه باحترام». ويقول الكاتب الساخر محمد الماغوط: «كل من يُجيد الكتابة الساخرة يُجيد زعزعة الظلام». ويقول مارك توين: «السخرية هي أن أصفعك صفعة بلا أثر، تعرف خطأك بعدها وتنتبه له». ويقول الكاتب الأردني يوسف غيشان: «السخرية سيف يعيد الأشياء إلى أحجامها الطبيعية ويفقع بالونات الدعاية الفجة ويطهّر الأمكنة من فسادها». يقول زكريا تامر عن تجربة الأديب الساخر: «إنه ينجح في الجمع على أرضٍ واحدة بين الليل والنهار، بين الأمل واليأس، بين مرارة الهزائم وغضب العاجز».
ساهمت الأنظمة العربية القمعية بأجهزتها ومخبريها وسياطها وسجونها وأصفادها وتخلفها في ظهور فن الكتابة الساخرة وانتشارها في الوطن العربي، ولا مبالغة لو قلت أن كاتبا عربيا واحداً يكتب السخرية الحقيقية يعدل كل كُتاب أوروبا الساخرين، لأن الكاتب العربي يذوق مُرّ الخيبات والخذلان والانكسار والضعف كإنسان عربي ليل نهار من المحيط إلى الخليج، ولأن سياسة القهر وتكميم الأفواه والطبقية والمحسوبية وضياع الحقوق كلها صقلت الكاتب العربي، وبالذات ذلك الكاتب الذي راح يغمس رأس قلمه في قلب وجعه ليكتب سخريته بألوان حزنه وألمه وضيقه وشتاته، وصدق الماغوط حينما سُئل ذات مرة عن ماهية السخرية ؟ فأجاب: «إن السخرية هي ذروة الألم».
* * *
أشكر كل القراء الذين سألوا عني في فترة انقطاعي الأخيرة في الشهر المنصرم.


نُشر في موقع روح:
http://roo7.net/?news=108
وفي جريدة الراي الكويتية:
http://www.alraialaam.com/Alrai/Article.aspx?id=77687





نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

التوقيع

لا تهتم كثيراً بوحدتك وصمتهم ،إنهم يؤدون صلوات الإعجاب بك سراً !!

alrawie1@hotmail.com
موقعي . . روح


التعديل الأخير تم بواسطة حمد الرحيمي ; 09-11-2008 الساعة 05:02 AM.

حسين الراوي غير متصل   رد مع اقتباس