المتتبع لمسيرة الفنان الكبير عبدالله فضالة يلحظ ذلك الاحساس الفني الرائع في أعماله التي قدمها، وتلك الجرأة التي بدأت معه منذ الصغر عندما تمرد على واقعه، وهرب منه ليبحث له عن مكان مختلف، وهكذا انطلق مع الغناء، ولم يقتصر دور هذا الرائد الكبير على الغناء وحسب، بل كان يكتب القصيدة الغنائية أو الأغنية الخفيفة الناقدة لسلوكيات المجتمع الخاطئة.
كما كان يلحن أغانيه، وهكذا اجتمعت تلك المواهب في هذا الفنان الذي صهرته الحياة، وخلقت منه فنانا كبيرا، ومن ابرز أغانيه التي كتبها ولحنها ولاقت الكثير من القبول أغنية «يا طاردين الهوى» ويقول مطلعها:
يا طاردين الهوى خذوني معاكم سوا
ولي معاكم حبيب شوفته بقلبي دوا
ابكي على شوفكم يا غايتي والمنى
ما اقدر على فراقكم اليوم عندي بسنه
وكان الراحل طموحا الى حد كبير، فبعد ان سافر لتسجيل اسطواناته في شتى أصقاع الأرض من بومباي الى القاهرة مرورا ببغداد والبحرين، امتلك شركة خاصة لتسجيل الاسطوانات في أواخر الخمسينات باسم «فضلي فون» وسجل فيها عدة أصوات من بينها «جلا بالكأس» و«يا عروس الروض» وسواهما.
وكان لتجربته العمل في اذاعة البحرين ابان الحرب العالمية الثانية دورها في صقل موهبته ومنحه تجربة ثرية حيث ساهمت تلك الفترة من العمل في مواصلته للعمل، وتميز نهجه، خاصة ما يتعلق بدوره في تجديد الأغنية الكويتية، وكان لخبرته في التلحين دور في ذلك، اذ انه نجح في تجديد الموسيقى الكويتية، ووضع جملا موسيقية متفردة وفي الوقت نفسه حافظ على روح الأغنية الكويتية.
ولحن عبدالله فضالة لعدد من المطربين من الكويت، ولمطربين عرب لقدرته على كتابة الأغنية بلهجات مصرية وسورية ولبنانية، كما كان الراحل يجيد العزف على الربابة، وكان الراحل مطربا نشيطا، لا يمل العمل الفني، ولا يخشى التجديد وخوض تجارب جديدة، فبعد ان نشط في تسجيل الاسطوانات خارج الكويت خاصة تجربة تسجيل اسطوانات بلاستيك في الستينات.
عزف
ويؤكد الباحث د.فهد الفرس ان الراحل أجاد العزف على آلة العود وله اسلوب خاص مزج فيه الاسلوب القديم بالاسلوب الحديث، وهو ينتمي الى المدرسة التقليدية بالعزف من حيث استخدامه الريشة، وتقاسيمه التي ارتبطت بالبيئة الكويتية، ولديه قدرة على طول النفس وعلى الغناء، ونجح في التعاون مع مطربين عرب بارزين مثل كارم محمود وهيام يونس ومائدة نزهت وبديعة صادق.
والى جانب نشاطه الفني واصل طموحه فترأس جمعية الفنانين الكويتيين لأربع سنوات، وكان يمثل الفنانين في لجنة اجازة النصوص في الاذاعة، بعد ان كان عضوا في فرقة الموسيقى في اذاعة الكويت في عام 1951، ومطربا وعازفا على آلة العود.
وهو أول فنان كويتي يدخل آلة البيانو في الأغنية الكويتية المطورة، وعرف الراحل بذكائه الحاد في اختيار أغانيه سواء التي يكتبها بنفسه أو التي يختارها من الشعر الجاهلي أو لشعراء بارزين وخير مثال أغنيته الشهيرة «لولا النسيم» التي غناها من بعده اكثر من مطرب ويقول مطلع الأغنية:
لولا النسيم لذكراكم يؤانسني
لكنت محترقا من حر أنفاسي
أنا الذي في هواكم مهجتي سلبت
شوقا وأهلكها همي ووسواسي
وفي بحث عن «الخصوصية الكويتية في الغناء الكويتي» قدمه د.صالح حمدان ضمن ثلاثة أبحاث لمعهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس يتحدث عن احدى أهم الأغاني التي قدمها الراحل عبدالله فضالة وهي اغنية «الخلوج» من تأليف حمود ناصر البدر ويقول د.صالح حمدان «هذه تجربة عظيمة ورائدة لم تتكرر، هذا النوع والشكل الأساسي من الفنون يخشى الفنانون من تجربته، فعبدالله فضالة كان سابقا لعصره وعلينا الالتفات الى هذه التجربة وحساسيتها وتقديمها في ذلك الوقت بالذات.
والمتابع لمشوار هذا الفنان يلحظ ذلك الثراء والتنوع في تجاربه الفنية، حيث تطرق في أغانيه وألحانه الى أغلب الفنون الشعبية في البيئة البحرية والمدنية والبدوية، فغنى من البيئة البحرية النهمة واليامال مستفيدا من عمله نهاما على السفن في بداية حياته.
كما غنى الصوت العربي والشامي والخيالي والسامري واللعبوني والنجدي من فنون المدينة وقدم العديد من الفنون البدوية مثل الهلالي والمسحوب ووظف الكثير من الألحان البدوية في أعماله الغنائية، خاصة في استخدامه الربابة كما قدم الأغنية الخفيفة التي تنقد الأوضاع الاجتماعية