7
قبل أن نعرف الدراسة في رمضان .. كان شهر رمضان هو بداية إجازة نهاية العام ، وكان رمضان يصادف الصيف . وفي الصيف يطول النهار ويقصر الليل ، كنا نترقب الظهر من بعد الضحى ، ونترقب العصر من بعد الظهر ، ونترقب المغرب من بعد العصر ، وكل فترة زمنية هي مساحة شاسعة من الظمأ والجوع والأرق والذبول ...
ذلك أننا لا نقضي نهار رمضان على الأسرة الوثيرة ، ولا تحت المكيفات الباردة ، ولا في الغرف المظلمة ، كنا نقضيه في العراء ، تحت لهيب الشمس ، تحت سطوة الجوع ، وقسوة العطش ، كنا نقضيه استمتاعا بذبول الوجوه ، ويباس الشفاة ، منذ الصباح نجر جحافل الأسرة نحو المزرعة ، هناك نقضي نهار رمضان !!
نبدأ منذ الصباح في تجميع غذاء الأغنام والأبقار ، نصوم نحن ، ونعمل على إفطارها وتغذيتها ، ونسقي الزرع ، ونكدح في عمل مستمر مع الوالد ، إما في غرس نخلة ، أو في قطف ثمرة ، أو في تغيير مجرى الماء ... وغيرها !! ويجب أن يكون العمل بإتقان .. أو أن علقة ساخنة من الوالد ستكون بانتظارنا !!
ويأتي الظهر .. وقد بلغ منا التعب والشقاء مبلغه ... ولابد في الظهر من قيلولة ، تعيننا على تحمل الجوع والعطش ... فنقيل تحت العريش المنصوب من سعف وجذوع النخل .. لكننا قبل أن نقيل ، نقوم برش الأرض بالماء لعله يخفف من شدة الحر ، ويبعد عنا لفح السموم ، لكنه لا يجدي مع لهيب شمس القيظ ، فنقوم برش فرشنا وملابسنا وكأننا ننام في بركة ماء .. ثم نحاول أن ننام !!
لكننا ننام بعيون تسترق النظر ، وقلوب وجلة ، وكيف ننام وسط الثعابين والعقارب ، ذلك أننا نقضي كل أسبوع في مزرعتنا على ثعبان أو عقرب !!
في العصر .. وبعد الصلاة .. نبدأ في خرف الرطب ، وجني العنب ، ذلك أن رمضان ولسنوات عديدة كان يصادف موسم جني الرطب ، ونضوج الثمار كالعنب وغيرها ، وأراه اليوم بدأ وكأن الزمان يعود ، قريبا سيكون بداية جني الرطب الطازج في شهر رمضان ، وقريبا ستكون بداية إجازة العام الدراسي في رمضان ، وقريبا سنصوم رمضان في نهار طويل وليل قصير ، قريبا سيكون لهيب القيظ أشد علينا من لهيب الظمأ والجوع !!
التسابق في خرف الرطب متعة ، حيث التحدي بيننا من يستطيع ملء وعاءه قبل الآخر ... بعد أن ننتهي من جميع الأعمال والتي منها أيضا صرم أعلاف الأغنام والأبقار وتقديم وجبة ثانية لها قبل المغرب !!
تنفرج أساريرنا .. وتعلو البسمات شفاهنا ... إذا بدأنا نتجمع في صندوق الهايلوكس .. لنعود للبيت وما أن ندخل القرية حتى ترحب بنا الروائح المنبثقة من المطابخ ،، فنردد حيهلا بهذه الرائحة !!
يتبع بإذن الله