9
ودخلت الحضارة قريتنا !!
وتغير كل شيء ، بالأمس كنا نخلد للنوم في الساعة العاشرة ، وفي رمضان لا نتجاوز الحادية عشر ، وبعد أن امتد نور الكهرباء ، لدهاليز قريتنا المظلمة تغير كل شيء ، أصبحنا نسهر حتى منتصف الليل ، وامتد بنا الحال حتى سهرنا إلى ما بعد الفجر !!
في رمضان يتسلى الرجال بأحاديث السمر ، وتتسلى النساء بأحاديث الغيبة والنميمة ، وتتسلى البنات بالخياطة أو الاستذكار ، ويتسلى الشباب بلعبة شعبية تسمى [ الخشيشة ]
وهي لعبة تقوي الجسم وتدرب في الفرد الصبر والجلد والقوة والشجاعة ، وتحمله على فن المراوغة ومحاولة الوصول للهدف برغم ما أمامه من عقبات !
هي لعبة مطاردة شرسة تبدأ من بعد صلاة التراويح إلى ما بعد منتصف الليل ، ينقسم فيها الشباب إلى قسمين متكافئيين ، ثم بعد القرعة يتحدد الفرقة الطاردة والفرقة المطرودة ، بحيث تقوم الفرقة المطرودة بالتوزع بين الجبال والخراب والنخيل من أجل الاختباء هناك ، وبعد ربع ساعة تبدأ الفرقة الطاردة في مطاردتهم والبحث عنهم ، وإلقاء القبض على كل من تتمكن منه الأيادي !!
ويكون هناك معلم بارز كهدف يجب حراسته من قبل الفرقة الطاردة ، ومن وصله سالما من الفرقة المطرودة يعتبر ناجحا وفائزا ويحق له أن يستمر في اللعبة من جديد !!
وهكذا تستمر المطاردة طوال الليل ، في شوارع مظلمة ، وكم من مرة سقط بعض الشباب ، إما من فوق جدار ، أو عثر له حجر أو برميل أو إطار سيارة خردة ، وكم شجت الرؤوس ، وجرحت الأقدام ، وتناثرت الدماء ، لكنها لا تؤثر على سير اللعبة ، ولا تعتبر من الإصابات الرياضية !!
وكان هناك ثلة مرتزقة ، لا تلعب معنا [ الخشيشة ] لكنهم يستفيدون من [ سياكلهم ] ويرتزقون من جيوب المحرومين ، فيؤجرون سياكلهم [ الدورة بريال ] والدورة لا تتجاوز مائتي متر ، والريال لا نجده إلا بشق الأنفس !!
وبعد أن استمرت الدراسة في رمضان ، جعل بعض المعلمين الشباب ، المدرسة كمركز للحي ، يجتمعون فيها من بعد صلاة التراويح من أجل ممارسة الرياضة [ كرة القدم ، وكرة الطائرة ] لكننا كل مساء ننهي اللعب قبل موعده المحدد ، ذلك أن خناقة تنشب بيننا لخطأ تحكيمي أو لاعتراض على هدف أو حالة تحكيمية ، ثم ينفض الشباب بعد أن تطفأ الأنوار ثم تغلق أبواب المدرسة !!
كان النادي الرياضي بالمدينة يقيم دورة رمضانية كل سنة ، نجتمع لمتابعة تلك المباريات ، أذكر أننا نتجمع فقط لمشاهدة اللاعب [ فهد الهريفي ] كيف لا وهو لاعب نجم يلعب في فريق النصر وفي المنتخب السعودي ، فنذهب فقط كي نراه ونرى بعض لا عبي النصر والأهلي الذين يرافقون الهريفي في إجازته الرمضانية ...
كانت أحلامنا تكبر يوما بعد يوم ونمني النفس أن نلعب مع الهريفي ، وبعد أن كبرنا اعتزل الهريفي ، ولعبنا في نفس الملعب تحت الأضواء الكاشفة وعلى النجيلة الخضراء ، لكن بدون الهريفي !!
ولا زالت نفس الحياة ، دورات رمضانية ، وفرق وملاعب هنا وهناك ... لكن بدون [ الخشيشة ]
يتبع بإذن الله