وثبت لأستقبل الحديث من خلف الباب ووجداني يسبقني يطمس بحمياه المعالم ،، كانت الغرفة نعسانة في جوها الرطب شبه المظلم الذي لا يدل على وقت ،،
قالت متأففة : كيف تطيق هذا الجو ؟! ،،
فقلت : كم الساعة ؟! ،،
فاتنة من فاتنات الأعشاب الطرية والزهور الندية ،، صال الظلام وجال فحكى على أنغام الجيتار مجد غابر لا شاهد عليه إلا ضميره ،، إذن فالحياة مقبولة رغم كل شئ ،، وواعدة بمسرات لا بأس بها ،، لنوطن أنفسنا على مواجهة الحقائق التي عرفناها معا في ليلة واحدة ،، بين البين تاهت أم لم يأت بيانها بعد ،، فتذكرت بأني أقف في جهة تجمع ما بينها العديد من التوجهات المتطاحنة ،، كائن بين ملايين الكائنات المنظورة وغير المنظورة ،، في كرة أرضية تهيم وسط مجموعة شمسية لا سلطان لي عليها ،، والمجموعة ضائعة في سديم هائل ،، والسديم تائه في كون لا نهائي ،، وأن الحياة التي أنتمي إليها مثل نقطة فوق ورقة شجرة فارغة ،، وأن علي التسليم بذلك كله ثم أعيش لأهتم بالأحزان والأفراح ،،
لا أدري أين كانت حينما سألتني : هيه أين ذهبت ؟! ،،
فغر رأسي ونفض ما فيه وقلت : أنتظرك ،،
إن لديك إحساسا عاريا ،، ولا بد له من ثوب أنيق جدير بالعواطف عندما تختال فيه ،، وتتناجى الهمسات وتنداح في الجو موجة من الأسرار الخارقة ،، كذلك يتفتح القلب لصوتك ،، كما تتفتح الأزهار لقبلات الصباح ،، أعلم بأن لك ألف عاشق وعاشق ،، وقد لا يحصون عدا ،، فكل من حولك هائم ،، ذرات الهواء وأجنحة الفضاء ونجوم السماء ،، فماذا بقي للشريد منك ،،
وراحت تختم الأغنية مرددة مطلعها حتى غابت الأنغام كما تغيب طائرة بعزيز وراء الأفق ،، وسحاب أزرق يخفي القسمات ولكنه ينبئ عن سحره بطريقة تثير الخيال ،، حتى التصق البصر في جرأة الثمل ،،
لو أن الحب ذا سياسة أخرى ،، لو أن المعاني لا يحرفها تيار ويظهر الدمع راقدا في حضن الفتور الجليل ،،
قالت : أراك لا تتكلم إلا قليلا ،،
فقلت : السعيد لا يجد ما يقوله إلا قليلا ،،
فاستويت حصنا منيعا من اليقين خليقا لأجن العواطف والترهات ،، هناك رؤوس في النوافذ ،، فيم تتهامس ؟! ،، أريد أن أر تأثير ذلك المنظر في وجوه الشياطين ،، دفعت بقاربي المضطرب ونشدت القرابين ورموز الآمال أن تكوّن من الأعضاء المتنافرة والمتناحرة جسدا ينبض بالروح يعلمني التوافق في بناء ترعاه عين الانسجام ،، أن يصهر العذابات في نغمة تنعش الجنون بجمال البصيرة ،، أن يسكب الشهد المصفى في عناد الوجود ،، سترين الحلم وهو يمحق الزمان والمكان ،، حتى شعرت باستعلاء فارس ضبابي يعيش بين رعاع ،، حق قد صقل الحظ البعض ،، نفس الحظ الذي ينفخ في الشمعة لتنطفئ ،، وها أنا أخندق في الخطوط الأمامية ،، عاودتني ذكريات حميمية وأحلام دموية ،، صراعات ،، حروف ،، بنيان راسخ الأساس ،، راعني ترهله وانكساره ،، كجناح من النسر المهيض ،، لكنه ما زال يرفرف ولا يخلو من قدرة على الطيران ،، لقد قذفت به الخطوب إلى الماء والقارب يميل للغرق ،، ولكني سعيد ،، فلا ولاء لشئ ،،
ما أضيق السماء في عيني سحابة مجنونة ،، أن الغرق يمرق فيها كالهواء ولكنها انقلبت علبة سفن أب ،، والنهار يتبع الليل في إصرار غبي ،، ولكن لا شئ ،، وما هذه الحركات إلا انتفاضات الانتظار الأخيرة التي تند عن الجثة قبل السكون الأبدي ،، إنه صديقي رغم كل شئ ،، لتكن معانقة حارة وإن أدمتي الأشواك ،،
عادت النظرات فتلقيت من ابتسامها شعاعا مغسول بحمرة الشفق بامتنان ،، على حين نقش الهواء الرطب بسحائب صغيرة متهافتة كالأنفاس المترددة ،، حتى استجابت لها الأعصاب المتوثبة ،، اخترقت الظلام الذي يكتنف الطريق ،، فلتذهب المسافات إلى الجحيم ،،