.
.
.
أجواءُ المطرِ في الخارج تذكرني بـ فترةٍ من حياتي عشتها في أحدى المدن الأفريقية تحديداً "برازافيل" وأنا في رحلة بحثي المستمرة عن لقمة عيشي، كنتُ أنام في غرفةٍ منطويةٍ على ذاتها داخلَ مبنىً لم يتبقَ من أصلهِ إلا القليل وأجزاء قابلة لـ التهاوي على شفا رحلةِ الغيابِ في أي لحظةٍ جرّاء الحروب المتتالية التي أنهكت حتى ظلّ المبنى بقذائف تُحرض الرؤيا وتستفزّ الإستثارة.!
هناكَ في " برازافيل" المطر لا يتوقفُ، والرعد لا يملّ الأنينَ، والغيومُ القاتمةُ تستجمعُ قواها بـ وحشية لـ تبدأ من جديدٍ في نفسِ التساقُطِ بـ عنفٍ يخترقُ جدارَ الهدوءِ الـ غير موجودٍ أصلاً، كنتُ أقضي يومي في بيع الممنوعات من البضائِع المُهربة والـ غير مُجمركة لـ أبناء الشوارع والأزقّة والأحياء الفقيرة، وأحياناً أتعرض لـ مداهمةٍ مُسلَّحةٍ من لصٍ يبحث هو الآخر عن لقمةِ عيشهِ فـ يضيعُ تعبي سدىً لأعودَ مساءً لـ غرفتي البائسة الممتلئة بـ أحلامي لا أحملُ معي إلا ذنوبي وزجاجةَ كحولٍ أدخرها لـ لحظةٍ بيضاءَ من تجلٍّ آخرَ وأوراقاً تتلوى في جيب قميصيَ المهترئ أكتبُ عليها ما يجول في مخيلتي من أبيات أو مواقف او حتى إلتقاطات لـ رؤىً أتوقعُ مشاهدتَها في صبيحةِ اليومِ التالي، أعيشُ في مُنعزلٍ عن عاطفتي أخلُقُ من صدري حُضناً لـ أشباحٍ كانوا في ذاكرتي ورحلوا.
في سوق " Poto-Poto" تشاهد الكثير من الآمال المحترقة على قارعة الطريق، وتشاهد الكثير من الموتى يتجولون بـ جثثهم بـ لا حياءٍ وبكل حياةٍ رغبةً وأملاً في تغيُّر الحال وزوالِ المآل؟ فـ كل شيءٍ هناكَ يدعو لـ الوفاةِ حتى الماء نفسهُ جعل الله منهُ محطةَ موتٍ وسقَمٍ وليسَ باستطاعتكَ ارتشاف قطراتِه وأنت مطمئنّ، لا أذكرُ يوماً أن الحيرةَ سكنتني جراءَ شيء فـ كل ما حولي أشدُّ وطأةً منها ويفوقُها بـ مراحلٍ، إذ أنَّ كًلَّ غريبٍ تجدُه حدثاً طبيعياً جداً، كـ ولادةِ الأطفال على الأرصفة واغتصاب الفتيات والقتل العمد وشراء الذمَم السلطوية بـ الرشوة والتملُّق، حقيقةً أستطيع القول أنك هناك تشاهد كل شيءٍ قدْ يخطُر في بالكَ عن تصوراتٍ لـ حياةِ البرزخِ والنارِ وعذاب الوقت المستقطع "في القبر" وانقطاع النعيم.
.
.
.
.
.
.
( بهدوء جداً)
الوقت معزوفة الريح في عيني
.... قل الدقايق خذتني عكس فــ غيابِك .!