صارعت الأشواق والزمن ،،
والطرقات تمر مثقلة بأنفاس الأسى ،،
السفر مضني ،، فرجوت أن تتحرر السماء من كافة النجوم لتسترد رونقها البهيج ،،
أما الأيام فقد أعلنت عن نبض جنين للآمال ينمو في رحم الغيب ،،
انبعثت أخيلة مطلقة مرقت في الفضاء وغاصت في أعماق المحيطات ،، وجعلت أتآمر مع خلايا الأحياء وذرات الجماد ،، ولم يخمد شئ ولم يبرد ،، ماذا كنت وماذا أصبحت ؟! ،، لم أثب في الوقت المناسب من السفينة وهي تغرق ،، وانتشيت بمرح عارض وأنا أمضي فوق قاعدة راسخة من الألم ،،
أخذت بتلابيب اللحظة ،، اقتحمني إلهام منعش ،، مجهول الأسباب مقطوع الصلة بالواقع ،، بنظرة إلى إصبعها وهي تحركه على حافة فنجان القهوة تألق الوجود ،، ودفعني إلى التقاط الأنفاس بقوة واعدة بالمعجزة ،،
فقلت : لم تشربين قهوتك ،،
قالت : سأشربها لا عليك ،،
وضعت رجلي فوق الأخرى وقلت : سنتأخر ،،
توقفت عن مداعبة الفنجان وقالت : لا عليك ،،
وجدت في الصمت المحفوف بالرضا استجابة أخطر من استجابة العقل ،، فتحمست بدافع الانتظار لتقويض ذلك العالم المغضوب عليه ،، ويعترضني الشوك في ممرات الحدائق وفي تلعثم الألوان ،، بل النفس لا يهادنها سوء الحظ أبدا إلا في السكون ،، ترنح خاطر على الحافة وهو يشعر بحاجته إلى مزيد من القوة لتحقيق واقعا جديدا ،، فتخيلت كيف يتعلم الوليد الحبو والرقص بين الغيمات ،، كمعجزة تحتاج لثورة كاملة ،،
رأيتها كأنها تنتظر ،، تسمرت الأفكار أمامها ،، تلاطمني أمواج انفعالات متضاربة ،، وتابعت المضي الحالك إلى نهار مشرق ،، انهمرت فوق نظراتي أعذب ألحان الوجد ونشواته ،، مؤيدة بقوة تستطيع أن تفعل ما تشاء ،، إلا أن شيئا واحدا لم يخطر ببالي ،، وهو أن أتطوع بمد يدي إلى الحياة التي دبت في قلب الهمسات فأخنقها بهدوء لواذا بطمأنينة الموت ،،
قلت : لم العجلة ،،
فتساءلت : ولم الصبر ؟! ،،
قلت بعجلة : سحبت اقتراحي ،،
ابتسمت وقالت : هل تؤمن بشئ يعتبر الحرمان منه خسارة !! ،،
تأملت فنجاني الفارغ ،، وهذه الدنيا التي تمضي بلا منطق ولا وجود حقيقي ،، أرحت قدمي متسائلا عن معنى ضياع أمل ذي طبيعة خالدة ،، فهل يعني فناء عالم من الممكن ،، وأنه ربما وقع بكل بساطة !! ،،
يستحكم الجنون وينتصر القدر ،، ينطفئ نور الحلم ولا تعد الشمس تسكب إلا ظلاما ،، غزتني أفكار مخيفة خانقة ،، احتوتني كآبة ودثرتني بكفنها ،، حتى ألقيت بظلال الشوق باستهانة ،، كأن تحاصرك الظنون في ركن مستندا إلى امتلاك اليقين حتى جذوره ،، ورغم تظاهر الأجنحة بالثبات انتفضت بتيارات متضاربة ،، تهب دون أن تنال ذرة أمل ،، وأقنعت نفسي بأن الموج لا يستسلم ولكنه يثب ،، ثملت بالأسى وهاجت شجوني ،، وانساب بنا قارب المساء فوق الماء الرزين واهبا ذاته المتأرجحة لظلام دامس تشعشعه أضواء النجوم كالهمسات ،، ولاطفتنا نسائم معطرة برائحة البحر ،، ورغم رقة الشعور ثقل رأسي وناء قلبي بالحسن ،، فالدنيا الحقيقية في أعماق القلب ،، فعلينا أن نواجه الحياة بشجاعة لنستحق سعادتنا قبل أن تتحول إلى تراب ،،