بينما كنتُ حرفاً سابحاً في تفاصيل إحدى الروايات .. قاطعني صوت (عمر) ذو السنوات السبع يسألني : تذاكرين !!
ابتسمتُ له : لا حبيبي .. أقرأ قصة..
(أخرج لسانه بسخرية ) : كل الحروف كذابة !!
استوقفتني كلمته كثيراً , وتساءلت بيني وبيني .. إلى أي مدى حروفنا صادقة ؟!
إلى أي مدى تقترب كتاباتنا من الصدق ؟!
تراءت لي مقالات .. قصائد .. روايات .. قصص .. نثريات .. سخافات .. تفاهات .. عبث مراهقة .. (شخبطة) أطفال .. وكل ما أصبح مدرجاً في قائمة الأدب .. وكلمة هذا الصغير تتردد " كل الحروف كذابة " ..
في الكتابة ( بشتى أنواعها ) .. مجال ملامسة الخيال ومداعبة سماء ثامنة كبير جداً .. حتى لـ يتجرد الكاتب من بيئته وملابسه ويكتب بعري إلا من أفكارٍ قد تكون مجنونة .. ولكن حينها لا يهم .. فالخيال أشد وطأة عليه من نفسه .. فـ يكتب أفكاره حروفاً مجردة , نقاطها مستوحاة من عالم لا يرتبط أدنى ارتباط بواقعه ..
أو ربما ترتبط .. فيكتب مُثُلاً .. وقيماً ويمجدها .. ويسفه أفكاراً وانحطاطاً وشذوذاً وينكرها .. قد يجيد حينها ويصنع أسطورة أدبية ..
وفي واقعه هو منغمس في حضيضه .. منزهة الأخلاق الرفيعة عن دناءته ..
لذا .. عندما نستعرضها تحت مجهر ( عمر ) .. تكون كل الحروف كذابة !!
إلى أي مدى تقترب حروفنا من الصدق ؟
أم أن الجمال يكمن في كون ( أعذب الحديث أكذبه ) ؟