منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - موسيقى الشعر بين الفلسفة 'الوعائية' وشطط المجدّدين
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-14-2006, 12:30 PM   #1
بعد الليل
( كاتبة )

الصورة الرمزية بعد الليل

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 9443

بعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعةبعد الليل لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي موسيقى الشعر بين الفلسفة 'الوعائية' وشطط المجدّدين



منذ أن بدأت الدعوة الى الحداثة في الشعر، هوجمت الأوزان والقوافي اولاً، ثمّ هوجمت عناصر الشعر التقليدي الاخرى. وبلغ الازدراء بالاوزان درجة اعتبارها مجرّد أثواب موسيقية خارجية ومصطنعة، ورحنا نسخر من الخليل بن أحمد ومن موازينه تلك، التي قلنا إنها وقفت سدوداً في وجه الكثير من المواهب، وأحبطت العديد من عباقرة الشعراء! وبعد ذلك ذهبنا الى أبعد فقلنا إنها حوّلت الشعر الى صناعة، ثم قادته الى الموت. وفي هجومنا هذا على أوزان الشعر حلّلنا للشعراء أن يستعيضوا عنها بالتفعيلة، ثم دعا جماعة منّا الى إمكان التحلّل الكامل من الاوزان وإيقاعاتها والذهاب الى ما سميناه قصائد النثر والايقاع الداخلي. وبذلك أتممنا معاملات الطلاق بين الشعر والاوزان، وفصلنا الموسيقى وخصوصاً الايقاع عن الشعر، وصار الشعر والموسيقى أقنومين ولم يفكّر أحد منّا أنهما قد يكونان في الاصل أقنوماً واحداً.

الواقع أن الشعر العربي كان خلال مساره الطويل، عرضة لكثير من أوجه الصناعة والتكلّف في ما كان يعتبر مبنىً ومعنىً أو شكلاً ومضموناً. حتى أن قدامى نقّاده قلّما كانت لهم آراء تتحدث عن موسيقاه كعنصر داخلي مشترك منذ البدء في تكوينه؛ اذ اعتبر معظمهم مجموعة أوزان الخليل خزانة موسيقية عُلّقت فيها الاثواب النغمية لنختار منها في كل مرة ما يناسب ما عندنا من معان، والحقيقة أننا تأخّرنا كثيراً في الانقضاض على مفهوم هؤلاء النقاد، وإن كنّا في هجومنا ذلك قد عدنا فوقعنا نحن ايضاً في ما يشبه شططهم الى حد ما. والآن، وحتى نتمكن من إيضاح مسألة الشعر والموسيقى هذه، يجدر بنا أن نبحث أولاً في علاقة الموسيقى بالشعر.

المعروف أن هوميروس كان ينظم أشعاره وينشدها على أنغام قيثارته، وأن الأعشى لُقّب بصنّاجة العرب لإنشاده قصائده بمصاحبة الصّنج، والمعروف كذلك أن الخليل بن أحمد لم يبتدع أوزان الشعر العربي، وإنما استنبطها مما كان موجوداً حتى أيامه من قصائد. وبإلقائنا نظرة ولو سريعة على آداب الأمم المختلفة نرى أن الشعر كان رفيق الايقاع والغناء حتى الربع الاول من القرن العشرين؛ أي حتى ظهرت دعوات التحرّر واتجه بعض الشعر نحو الانفلات من الايقاع والقياس. ولعل اتجاه الموشحات مع العرب في الأندلس نحو التنويع في طرق الوزن الشعري، لم يكن دليلاً على ميل الشعراء الى التحرّر بقدر ما كان دليلاً على ميلهم الى تقريب عملية الوزن من مسألتي التلحين والغناء. وهذا كله في نظري دليل كافٍ على تلازم الشعر والموسيقى في جميع الظروف.

لكن قد يعترضني الساعة قائل إن الموسيقى وإن هي كانت رفيقة الشعر في كل الاوقات فإن منها الموقّع وغير الموقَّع او الفالت بلغة الموسيقيين، فلماذا اذاً نفرض الايقاع على الشعر كله، ولمَ لا يكون الشعر كربيبته الموسيقى موقّعاً حيناً وغير موقّع حيناً آخر تبعاً لما يستهوي الشاعر؟ ليس في هذا الاعتراض أي غرابة؛ فالموسيقى لغة فنية ومنها الموقّع وغير الموقَّع، والشعر لغة فنية ايضاً ويمكن أن يكون منه الموقّع وغير الموقَّع، ولكن ألا يجوز أن تكون الموسيقى غير الموقّعة هي الموسيقى المنثورة والشعر غير الموقَّع هو الشعر المنثور؟ ولماذا الالحاح على تسمية الشعر المنثور قصائد نثرية، بل ولماذا الاصرار على تعميم التسمية والخلط بين الشعر والنثر؟ إنه في نظري قد ينطلق الشعر والنثر الشعري من منطلق تكويني واحد، ولكن قد يأخذ هذا منحى النثر الجميل والذي قد يسميّه بعضهم النثر الشعري، أما الآخر ولسرّ قد لا نعرفه فيتّجه ومنذ بدئه نحو الايقاع وربما نحو الوزن وهو ما اعتدنا تسميته الشعر.

الأسى البالغ

الواقع أن اتجاه الشعراء وغير الشعراء نحو التحلل الكامل من الايقاع والاوزان الشعرية وبشكل فوضوي في هذه الفترة، يصيب الناقد الذي يحمل همّ الشعر بشيء من الأسى البالغ الأثر؛ ذلك لأنه يرى أن الشعر الذي عاش في وجدان الناس وفي ذاكرتهم وعلى شفاههم قبل التدوين وكذلك بعد التدوين ومنذ وجوده وحتى الربع الاول من القرن العشرين قد أصيب بما تصاب به الثانويات والمهملات من أشياء الحياة، وهبط حتى العديد من شعرائه الموهوبين الى مستوى الثرثارين، حتى لم يعد كما بدا لي ينفع مع هذا الخليط العجيب اقامة حواجز التفتيش والتدقيق في الهويات. سيقول بعضهم الآن: ها نحن أمام مرتّل جديد يحلّ قطع عنقه. لكن مهلاً فأنا لست مرتداً وإنما أنا باحث عن ذلك الشعر الذي فتن به الناس قروناً طويلة والذي لما كان فيه من سحر أقام له اليونان ربّة، وقال العرب إنه من وحي الشياطين، ثم ساوينا نحن بينه وبين رؤى الانبياء فيما كنّا نعمل على تجريده من عنصره الموسيقي.

قد يقول الآن قائل ان موسيقى الشعر، وخصوصاً الايقاعية، عنصر دخيل اضافه الشعراء ليسهّلوا حفظه أيام الرواية. لكني سأجيب من يدّعي ذلك أن الايقاع الشعري استُعير فعلاً الى اراجيز النحو وغيرها من الموضوعات غير الشعرية؛ أي نُقل من الاصل الى التقليد للاستفادة منه كما يحصل بين كثير من الصناعات. وقد كان خطأ التمادي في فصل العنصر الموسيقي عن الشعر وفي استخدامه هذا، راجعاً الى طائفة دخيلة على نقد الشعر في العصور العباسية جاءت آراؤها في تحديد الشعر على قليل من الصواب وكثير كثير من الضحالة والشطط. من هذه الطائفة أبو هلال العسكري وقدامة بن جعفر وكذلك ابن قتيبة وغيرهم. فهم جميعاً بلا استثناء جعلوا الوزن الشعري لباساً لمعاني الشعر، وفصلوا بين الشعر وموسيقاه وكان ذلك في نظري اثراً سيئاً للفلسفة اليونانية ومباحثها حول الروح والجسد، ثم للاهوت المسيحي والاسلامي والكلام الكثير على ما قد نسميه "الوعائية" او كون الجسد وعاء للنفس. لم يتنبّه ناقد حديث الى هذا الامر في تناولنا قضية الموسيقى في الشعر، بل رحنا نهاجم الاوزان والايقاعات "الخارجية" لأنها الجسد المصطنع الذي عيّنه أبو هلال وأمثاله للشعر، وآمنّا أننا بهجومنا على هذا الجسد إنما نخلّص الشعر مما علق به من زخرف وصناعة وهشاشة. مهلاً، الشعر سيد الفنون وجامعها وصاحب عرشها الاعظم، له موسيقى الموسيقيين، وله صور الرسامين وألوانهم، وله نحت النحاتين ورقص الراقصين وأكمل اذا شئت. بعض قصائده نقربها برهبة وخشوع ونجلّها كما نجلّ المقدسات، وفي بعض مجموعاته عوالم ننتقل اليها يصغر أمامها هذا العالم الموبوء. وقد تكون الموسيقى بإيقاعها هي نبضه الطبيعي وفيض اعتماله وكينونته. فلننسَ نظرية الجسد او اللباس؛ فكيف نفصل بين الشعر وموسيقاه ولا نفصل بين الشعر وصوره؟ واذا أردنا مثل هذا الفصل، فلنتخلّ عن موسيقى الشعر وصوره والحركة التي فيه، ولنرَ بعد ذلك ماذا يبقى لنا من الشعر. كفى تسهيل لمن ليسوا شعراء، وكفانا فوضى وضياع وتوزيع شهادات مزوّرة. إيقاع الشعر وحتى أوزانه لا يحمل همّها الشعراء لكن المتشاعرون، والقصائد ولدت في البدء مع نبضها وإيقاعها واختطّت طريقها الطبيعي ثم اتجهت مع إيقاعها ككل الاشياء من الطفولة الى النضج، ومن النقص الى الكمال، ومن التشوّش والفوضى الى شيء من الاستقرار والنظام. الطفل يتجه هذا الاتجاه وكذلك صغير الحيوان والنبات حتى مخترعات الانسان من الادوات والآلات؛ أليس ان الساعة لا يرجى منها ضبط الوقت الاّ اذا اكتملت أدواتها واتبعت نظاماً ما؟ نعم، قد تكون الاوزان كما وجدها الخليل قد اصيبت بالهرم والعقم، وقد تكون قد أضحت مومياءات محنّطة، ولكن لا أحد يستطيع أن يُنكر كونها مجاريَ ايقاعية موسيقية حفرتها القصائد واشتركت وإياها في الكينونة والوجود.

قِدم الموسيقى

لست الآن أدعو الى التزام أوزان الشعر الستّة عشر التقليدية، كما أني قد لا أحرّم التزامها. إنما شئت أن أظهر أن الموسيقى عنصر كان في الشعر منذ البدء؛ إنه اذا شئتم عنصر "قديم" بلغة المتفلسفة العرب، يلازم الشعر منذ بدء تكوينه وينبجس معه ويتبع خطاً ايقاعياً يشترك هو والشعر والشاعر في رسمه نحو الوجود. لا أذكر مرّة أني، كشاعر، هيأت المعاني والصور ثم رحت أبحث لها عن وزن شعري يلائمها ويحتويها كما يقول أبو هلال العسكري. مسكين الشاعر فعلاً، فلقد حوّله أبو هلال الى إسكافي (مع احترامي للإسكافي ولعمله)، اقصد الى مجرد صانع يهيّىء قطعة الجلد والخيطان والمسامير، ثم يختار القالب ويصنع الحذاء. اعتقد ان طائفة النقاد هذه بما كانت عليه من ضحالة وبعد عن حقيقة الشعر وعناصره، هي ما اثار نقمتنا على اوزان الشعر الستة عشر التي راحت تتحول مع الزمن الى ما يشبه المنزلات كالوصايا العشر وكتب الاديان في الشرق، أهل هذا الشرق مولعون بالمقدسات وبتجميد النظم وتثبيت القيم. ونحن الذين دعوا الى الحداثة، ربما دفعنا توتر اشمئزازنا من الجمود الى شيء من الغلو والشطط في هذا الشأن، وصار لزاما علينا الآن ان نعود الى الروية والرشد فنحاول ان نعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

يوم ابتدأت الدعوة الى الخروج على اوزان الشعر التقليدية، دعونا الى جواز استخدام التفعيلة كوحدة ايقاعية، واخبرنا كذلك انتقال الشاعر في القصيدة الواحدة من وزن الى آخر. كما قلنا ايضا بجواز اعتماد ما سميناه الموسيقى الداخلية في ما هو غير موقّع من الشعر. هذا طبعا في ما يتعلق بموسيقى الشعر لكن، وبعد تتبعي لتطبيق هذه الاصول في الشعر الحديث، كنت اقع احيانا على شعر يزعجني فيه شيء من الخلل الموسيقي، رغم انه في الظاهر شعر يبدو تفعيليا. وكنت اجد مثل هذا العيب حتى في شعر شعراء مارسوا سابقا النظم على البحور التقليدية. ثم كثر وقوع الشعراء في مثل ذلك، وتكون عندي نوع من الهاجس الذي كان يوحي لي أن المسألة ستتطور الى ان يصبح العيب قاعدة ما. والخلل الذي اشرت اليه هو في ان الشعراء كانوا احيانا "يكسرون ظهر التفعيلة" ويخرّبون الايقاع. ولم يكن ذلك منهم انتقالا من تفعيلة الى اخرى او من وزن الى وزن، وانما كان خللا في مبدأ الايقاع. وهذا، وإن خفي على بعض الشعراء، لا يخفى على الموسيقيين الموهوبين، فالموسيقي يزعجه كثيرا خروج بعض المغنين او العازفين عن نبض الايقاع، ويعتبر ذلك نقصا في الموهبة يؤدي الى تشويش لا يغتفر في المسار الموسيقي لا يقل سلبية عن خروج المطرب او العازف او عن عدم قدرته على الدخول في الايقاع. كان من سوء الحظ اني قرأت لمنظّرين ونقاد وشعراء كثيرين، ولكن لم يأت واحد منهم على ذكر هذه القضية، ربما لأنه لا علم لهم بأصول الموسيقى وبمبادىء العزف الثنائي او الجماعي. وحتى أوضح قضية "كسر ظهر التفعيلة" هذه، سأورد شيئا من الشعر صدف انه الآن لأدونيس. يقول أدونيس في قصيدة "شجرة النهار والليل":

"قبل ان يأتي النهار اجيء

قبل ان يتساءل عن شمسه اضيء

وتجيء الاشجار راكضة خلفي وتمشي في ظلي الاكمامُ

ثم تبني في ظلي الاوهامُ

جزراً وقلاعا من الصمت يجهل ابوابها الكلام"

اذا كنت ذا حس شعري موسيقي سليم شعرت بخلل ما في منتصف السطر الثاني عند "يتساءل"، حتى لو سلمنا بوجود خطأ مطبعي ورحنا نغيّر يتساءل الى "يسّاءل" او الى "يسأل"، فالخلل سيبقى موجودا، ذلك لأن الشاعر بنى ايقاعه على تفعيلات البحر الخفيف وجوازاتها وهي فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن، وكسر ظهر التفعيلة الثانية وليس في كسره هذا استخدام لجواز او انتقال من بحر الى بحر. وكذلك تشعر بخلل آخر في السطر الخامس عند كلمتي "يجهل ابوابها".

عودة الى الإيقاع

لنعد الآن الى الايقاع. لقد كثر كلام المحدثين ودارسي الشعر الحديث على الايقاع في الشعر وعلاقة التفعيلة به، فاعتبرت التفعيلة عند معظمهم وحدة الايقاع الجديدة، التي يغني التزامها بشكل او بآخر عن التزام البحور، واجيز للشاعر ان تحمل هذه التفعيلة ويتنقل بها بعللها وزحافاتها عبر قصيدته ما شاء له ذلك وكيفما اراد. ومن الشعراء كما رأينا من لجأ وسط هذه الفوضى حتى الى كسر ظهرها، ظنا منه ربما ان الشعر قلة وان الحس الموسيقي السليم نادر جدا، وان اكتشاف هذا الخلل قد يحتاج الى اكتشاف تفعيلات الوزن وتسمية الوزن ومعرفة ما قد يقع فيه من الجواز، وقد يحتاج ذلك الى الامساك بورقة وقلم وما قد يقع فيه من الجواز، وقد يحتاج ذلك الى الامساك بورقة وقلم والقيام بالتفعيل. وهذه مسألة معقدة قليلاً وتحتاج الى شيء من الوقت كما تحتاج الى موهبة ومعرفة. ثم ان القراء صار معظمهم ربما وهو يقرأ الشعر حاملا في رأسه مقولة حديثة تعلّمها اصلا من المنظّرين وهي تشبه قولنا "كلو عند العرب صابون"، فكل ما نضمه في كتاب مطبوع نكتب على غلافه انه مجموعة شعرية او شعر او ما شابه، هو شعر فعلا وصاحبه شاعر مجدد وحديث وحر. لقد جمّعنا اوزان الخليل وتفعيلاتها وجوازاتها كالخرضة في خرج، ووضعناها على ظهر حمار الخليل و"لزقنا الخليل وحماره عصايتين" واصدرنا عفوا عاما وفتحنا ابواب السجون، فالكل شعراء والشعر صار يبدأ بـ آـويها!

يبدو ان مسألة الخروج من الاوزان الى التفعيلة كوحدة ايقاعية، كانت كذلك مسألة مبنية على جهل بالايقاع الموسيقي في الشعر وفي الموسيقى، فالايقاع في الموسيقى اولا، هو فواصل زمنية محددة لا اختلاف في طولها وقصرها ضمن القسم الواحد من اللحن او المقطوعة. واي اختلاف في ذلك يعد خللا تجب ازالته. والايقاع في الشعر هو هذا بالضبط، والتفعيلة قد تكفي وحدها لقياسه احيانا وقد لا تكفي احيانا اخرى فنحتاج مثلا الى تفعيلتين في بناء ايقاع واحد كما في فَعِلن فَعلُن. ثم تتجمع الوحدات الايقاعية في ما يسمى بالموسيقى الموازير، وهي قياسات موحِّدة لنبضات الايقاع ومنها يستخرج ما يعرف بالميزان الموسيقي الذي يقاس بكسور رقمية حسابية، مثل 4/4 و2/4 و6/8 وغير ذلك. ارأيتم كيف وصلنا الى ميزان الخليل من طريق الموسيقى والحساب؟ ان القضية تحتاج الى موسيقيين للكلام على موسيقى الشعر. وانه الآن ليهجنني حديثنا السابق منذ بداية الخمسينات عن الايقاع الداخلي في قصائد النثر. انه اذا كان في النثر من موسيقى ما، فهي موسيقى فالتة لا ايقاع فيها. وليس في الموسيقى ولا في الكلام ايقاع غير الظاهر منه للاذن، اما سوى ذلك فقد يكون موسيقى تستطيع تسميتها ما شئت الا الايقاع. الايقاع نبض زمني موقع ومقاس على وحدات زمنية متساوية الطول ينهيها الموسيقيون بما يعرف بـ"الدُّمْ"، وعازفو الطبول يسمون ضباط ايقاع، لأن وظيفتهم الاساسية هي المحافظة على مسافات النبض الايقاعي لتنسجم اصوات الآلات انسجاما تاما، وليست وظيفتهم التطبيل والقرقعة كما يظن البعض. وعازفو الصولو غالبا ما يستغنون عن ضباط الايقاع خوفا من التشويش على موسيقاهم اذا وثقوا بأنهم هم انفسهم يستطيعون العزف وضبط الايقاع في الوقت نفسه.

فرضيات وأوهام؟

اذاً، فأي ايقاع هو هذا الكائن في النثر؟ آسف فكثير من الوقت اضعناه في الجدل حول الايقاع والايقاع الداخلي وايقاع النثر، وكله كما رأينا كان مبنيا على فرضيات واوهام، ثم عدنا نتيجة لذلك، نضيع وقتا اكثر في استقراء ايقاع الموسيقى الداخلية في ما دعي بقصائد النثر متكلمين كالسحرة والمنجمين عن اشياء لا وجود لها في الواقع، حتى تركنا الناس تظن اننا نحس بما لا يحس ونرى ما لا يُرى، فتجاوزنا اعتقاد اليونان والجاهلين بآلهة الشعر وشياطينه وجعلنا الناس يعتقدون ان في الشعر اسرارا لا قبل للبشر العاديين بفك رموزها، وفيه كذلك جمالات يجب ان يقرّوا بها ولو لم يستطيعوا اكتشافها.

والآن، ان جل ما نرجوه ان تكون عواصف الحداثة قد هدأت، وان يعود كل شيء الى الهدوء والواقع، وان نبدأ من جديد متضافرين فنعيد النظر في مبادىء اطلقناها سابقا كان فيها طموح شديد وربما كان يشوبها هنا وهناك شيء من النزق والشطط.

بقلم: كميل سعادة

منقول من الامبراطور

--------------

* حضرت ملتقى شعري كمتذوقه للشعر . ودار حوار عام حول الشعر المنثور أو قصيدة النثر والاشكاليات الكثيرة حولها وعليها.

هذا أحد المواضيع التي تدور في هذا المجال .. أرجو أن تستمتعوا بقراءته

تحياتي

 

التوقيع



سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

بعد الليل غير متصل   رد مع اقتباس