منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - صحراء راودها الرذاذ . . .
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-23-2009, 09:53 PM   #20
زينب عامر
( شاعرة )

الصورة الرمزية زينب عامر

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 16

زينب عامر غير متواجد حاليا

افتراضي 22/4/2009




....
...
..
.

هذا اللي شايف نفسه - أحلام

الهواءُ مفعمٌ بغناءِ البحر.. ها نحنُ نتفقُ مع مكتبِ جزيرةِ الفطيسي لحجزِ (شاليه) وطرادٍ خاصٍّ بنا، في صباحٍ مليءٍ بزخرفاتِ العصافيرِ والنخيلِ والرمالِ المبلولةِ عندَ المرسى.. وأنتَ تنتظرُنا هُناكَ عندَ مرسى الدّراجاتِ المائيّةِ لتلحقَ بِنا إلى الجزيرة.. انْتَهينا أنا ونجْلاء من ترتيبِ الأمور.. تلكَ البيضاء المليئة بعصافيرِ السلام.. صوتُها رذاذُ الروح وقلبها ملاذ البوح.. صوتُ الموجِ يهدرُ أنفاسَنا بالفرحَةِ والعُنفوان.. على هديرِ الموجِ أبحرنا وأشواقُنا للطّيشِ تسابَقنا وثمّةَ فتياتٌ يلاحقْـنَـك مشاكسةً وتحدى.. وصلْنا وأنتَ تتبعُنا بدرّاجَتِكَ البيضاء ذات الخط الأحمر.. ها هو (الشّاليه 110) ، نظيفٌ ومُرتبٌ اسْتقبَـلَنا بحفاوةِ (الفطيسي) المعتادة.. بدونُ خُطّةٍ وصَلنا ، لا نَعرِفُ هنُالكَ إلا أنّهُ يومٌ للاستِجمام ونسيانِ المَدينةِ بكلِّ مُلحقاتِها..
" هذا اللي شايف نفسه
ماشي ولا معبرني
يتلفّت هنا وهنا
ولا كنّه شايفني
والله لا أوريكم فيه
والله لا أنا لا وريه
مو هوُّا لعب وياي
خلوه يتحملني.. "
صدحَتْ (أحلام) من سماعاتِ ذلكَ اللاب توب.. وأغاني الصّخَبِ الأخرى.. في استعدادٍ ليومٍ بَحري دافِئ ورقيق.. الصباحُ كلُّه يُغنّي بِنا.. وملابِسُ السّباحَةِ تستَعِدُّ للغوصِ بِنا في أعماقِ البَحر.. شغبٌ جميلٌ بدرّاجَتِنا المائِيّةِ يصحَبُنا بضحكاتٍ وقهقهاتٍ صاخِبة.. (درامات) الشاطئ الحمراءِ تُشيرُ إلى عدَمِ التوغل أكثرَ في الماء، ونحنُ ألقيْنا أنفُسَنا منْ فوقِ الدّراجة في تلكَ المياهِ العميقة خارجَ الخَطّ المسموح به.. السّباحةُ رائعة، والشمسُ تُدفِئُ الرأْسَ ، والمياهُ باردة..
ها أنْتَ تغيبُ عن أنظارِنا عائِدًا إلى مرسى (مارينا البطين) في أبوظبي خلف ( الخالدية بَلَس)، الدّراجةُ بحاجةٍ للوَقود .. يجب أنْ أصِلَ قبل أن ينفد..
ونحنُ بقينا في رحلَةٍ سباحية مُتمايِلَةٍ مع أمواجِ البحر الهادئة.. الشاطئُ بعيد، وعلينا أن نُبحِرَ بشكلٍ معاكِسٍ للأمواجِ كي لا تطولَ المسافة..
- بنصير سود
- عادي أهم شي نستانس
- نسينا (السن بلوك)
- انا ابا اصير سمرا شوي البياض يخليني مصرية
- مصرية احسن من افريقية
- على قولتج..
وصلنا مُنهكَـتيْنِ.. ألقينا أنفاسَنا على تلكَ الكراسي الطويلةِ البيضاءِ تحتَ المظلات، ولكنّ الهواءَ الباردَ على الملابس المبلولةِ أمرني أنْ أجُرّ الكُرسِيّ خارجَ المِظلة كي أستشعرَ دفءَ الشمس.. ها نحنُ نَغفو.. وصوتُ الغُرابِ المزعجِ يُحوّم حولنا.. نقوم نغازل أشعة الظهيرة.. نغني ...
( تعال وما بقى بي يوم
في بعدك يصبرني
أخاف أموت من شوقي
وانت مطوّل غيابك
تعال وكل شي صار
في بعدك يذكرني
دروبك ضحكتك طاريك وريح العطر بثيابك..)
الشمسُ مليئةٌ بضوئِنا.. والسماءُ صافية.. وأنتَ تأخّرتَ كثيرًا.. مفاتيحُ الشاليه نسيناها معك.. في حافِظةِ الدراجة، وليسَ في أيدينا أيَّ شيء، (الموبايلات / والنقود/ والملابس كلُّها داخلَ هذه الغرفة) .. أخذْنا في المَشي مع مساراتِ الهواءِ العَليل.. وصوتُ ماكينةٍ من بعيد يقترِبْ..
- هاتْ مفتاح الشاليه
- هات ثوبي من عندك في السدّة..

دخلنا سويًّا.. الجوعُ كاسِحْ.. والعَطَشُ مُرهق.. كانت الفطائر باردة وناشفة بعض الشيء..
- الشحاتين ما عندهم حتى ما يكرويف هني
- حبيبتي كلي بس لا تتنقّدين
تزوَّدنا بما استطعْناهُ من المأكولاتِ الخَفيفة (الشيبسات والشوكولاته والعصائر والبيبسي...) وبَرقَتْ فكرةُ (السياكل)
- قوموا بنستأجر سياكل يلاّ
وصَلْنا إلى مكتبِ الإدارةِ في الجزيرة.. اختَرْنا الدّارجاتِ الجديدة.. طوّفْنا الأماكِنَ بالتّجوالِ والتّسابق والتّعليقاتِ الضاحكة ( الطفسة).. هناكَ عندَ مهبَطِ (الهيلوكبتر) وقَفْنا نَستَشرِفُ جزيرةَ أبوظبي من بعيد.. وزُرقَةَ المِياهِ المُتفاوتةِ في عَرْضِ البحر.. تُثيرُ النظر إليها..
- تعرفين إن اختلاف زرقة البحر بشو يذكّر حبيبي؟
- بشو يذكّر فديتك؟
- يذكّر باختلاف طبائع الإنسان .. من فرح إلى حزن إلى غضب إلى برود إلى تهوّر إلى تعقّل.. والبحر مثلنا .. متلوّن حسب المكان والوقت والمساحة الممنوحة له..
- صدقتْ يا قلبي.. قايم تطلّع حكم ما شاء الله؟
- ههههههههههههه
حثّـتْنا الخُطى للعَودةِ إلى الشاليه، كانَتْ نجلاء تَحمِلُ شجنًا في خاطِرِها.. الأغاني الرومانسية الصادِحَةُ من اللاب توب تثيرُ الشجن.. طفَرتْ مِنها دمعة.. فكنتَ مُمسِكًا بيديْها، وتحتَضِنُ بؤسَها.. تُواسيها وتمسحُ على شَعْرِها الغجريّ الأسود، وهيَ في اسْتِرسالِ الشّجنِ تُحاوُلُ الهروبَ منْ كلِّ شيءٍ في هذا اليوم.. شعَرتُ أنا باخْتناق.. تزاحمت أدخنة السجائر في صدري والنوافذ موصدة.. حتى هُنا تُطارِدُني مكالماتُ المَنزلِ ومشاكِلِ الأُسرةِ اللامُتناهية.. خرَجتُ إلى الشاطئ، أبعثُ حُزني وما أصابَني لعلّهُ يفْقَهُ شيئًا،، خُطواتِكَ التي جاوَرَتْني أشعَرتْني بصدقِ الاستِحياءِ من فعلِ ما لا يروق من نُحب.. يداك تطوّقني، وعيناك تبحثانِ عن عينيّ وأنا أهرب بهما بعيدًا نحو الجزائر المتبعثرة في عرض البحر...
- طالعيني انزين
- .....
- ليش تصيحين؟
- ما أصيح
- الويه أحمر والخشم غادي طماط وما تصيحين؟
- مافيني الا العافية..
- انزين قولي مب انت وعدتيني تصارحيني ؟
- وعدتك اصارحك.. وانت فاهمني عدل
- انا فاهمنج والله.. ومافي في عيني من الدنيا كلها غيرج.. وعشان جيه تعالي حبيبي داخل الشمس بتجتلنا..
بلْ سأعودُ إلى أعماقِكَ بعدما انْسلَّ جَسَدي من شِلّتِنا الثُّلاثِيّةِ لحظتها.. كنتُ أفكّر في جاذِبيّةِ صديقَتي التّي تفوقُني بمرات ومرات.. وكيفَ يمكن أنْ ينْسَلّ حُبي منكَ إليها.. قرّرتُ أنْ أُصارِحَكَ بهواجسي.. وأن أتْركَ لكَ حُريّةَ الاختيار.. ولكنّ صوتَكَ حينَ طمأنَني قبلَ أنْ أنْطِق، أنّني وحدي حياتك التي لا تَرى بَعْدي شيئًا.. آثرتُ الصّمتَ، وابتلاعَ أفكاري الهجينة.. عُدْنا سويًّّا.. ركِبْنا درّاجاتِنا لنُعيدَها إلى مكتبِ الإدارة.. خُطواتُنا العائدةُ إلى الشاليه مليئةٌ بالفَرَحِ والرّضا عنْ هذا اليومِ الصّاخِبِ .. والتّعليقاتُ تملأُ الضّحكَ بِنا.. حزمْنا حاجِياتِنا.. طلبْنا سيارةَ الجَزيرة لتوصلنا إلى المَرسى وتَحملَ أغراضِنا.. بقيتَ أنتَ بجانِبِ درّاجَتِك البيْضاءِ في مُحاولَةِ دفْعِها إلى المياهِ الضّحلة.. تَراجَعَ البحرُ في قرارٍ سريعٍ ليَتْرُكَ درّاجتَكَ على بُعد 40 مترا تقريباً على الرمال !!.. لم نَشعرْ بكَ لحظتَها لأنَّ الطرادَ أخذَنا على ظَهرهِ نحوَ أبوظبي.. بقيتَ أنْتَ وحيدًا تدفَعُ الدّراجَةَ ذاتَ الثلاثِمئة كيلوجرام لوحدك... استقبلتْنا مراسي أبوظَبي بِحفاوَتِها، كلُّ مِنّا اسْتَـقلّتْ سيارتَها.. وأنتَ وصلتَ للتّوِ على ظَهْرِ درّاجَتِكَ في ساحةِ اللّعبِ بالدّراجاتِ أمامَ مراسي مارينا البِطين وقصر الإمارات.. تهوّرك العارم حداك بالنزول عن (الجت سكي) حافيَ القدمين.. وهناك التهمت قدميك سلَة أشواكٍ حاقدة.. تشبّثتْ إبرها في قاع قدميك لتحرمَك لذة المشي المتوازن..

- حبيبي دست على كومة شوك..
- سلامات فديتك تعال بنروح عيادة
- لا حبيبي عندج ابرة خياطة ؟
- ابرة !؟
- ايوا..
- لا ما عندي بس بمر على الدكان..
- جيبي لي ابرة.. ومالبورو أحمر عيل

عدتُ إليكَ وحملنا ذلك الطرّاد إلى حيثُ كُنـا.. قضيتَ الليل وأنتَ ( تنْـقف) الأشواكَ منْ قدمِكَ حتّى غدَتْ القُروحُ داميةً طريّة.. كانَتْ ليلة مرهَقة تتقلّبُ على أهدابِنا بين الصّحوةِ والغَفوةِ والشخيرِ المتقطّعِ وأضغاثِ الأحلامِ المزعجة.. وملامحُ الملحِ احمرّت على وجوهنا لتغدو بعدَ ذلكَ سُمرةً خفيفةً كعلامات ( البرونزاج)..



.
..
...
....

زينب .....




 

التوقيع

نحنُ أغْبى من أنْ نُدرِكَ أنّنا أذكياء.!!
zainab3amer@gmail.com

زينب عامر غير متصل   رد مع اقتباس