منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قِصصٌ تُروى .
الموضوع: قِصصٌ تُروى .
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-18-2009, 12:56 AM   #28
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

افتراضي سالم العمري


هداية



لاتسألني ياصاحبي لماذا أضحك تارة وأدمع تارة فالمشكلة ليست في الكأس التي في يدي ، فماكان الشرب يوما سببا كافيا
للدموع ولا سببا كافيا للضحك . فقط أتذكر لحظات معينة مرت بي في هذا المكان، أتذكر حين خسرنا أنا وأنت في السوق
تلك الخسارة الكبيرة ، أنت أنجدك أخوتك في لحظتها ، أما أنا فعدت إلى القرية في ليلة رائحتها تشبه رائحة امراة خائنة
مكسورا ذليلا . عدت إلى هنا إلى قريتي ، إلى المكان الذي سقط إسمي من قوائمه منذ زمن طويل ، منذ أن نسيت أهلي
وكل من في القرية ووهبت حياتي للمال ولذيذه فقط .
أذكر تلك الليلة تماما ، كنت أسأل نفسي : ماذا أقول لهم ؟. كيف احيا بينهم ؟، وغدا عندما يكتشفون أني لم أعد أملك شيئا
، ماذا سيفعل بي كل من أسأت اليه ؟. في تلك اللحظات ... أدركت كم أنا وحيد؟! .. وأحسست أن كل ما بداخلي كان خواء
أو أسوأ من ذلك .
دخلت القرية بداية الليل ، نمت في قصري .. الذي أعرف جيدا بأني سأفقده حين يعلن افلاسي . ذلك القصر الذي كان لعمي
الغبي ذات يوم وانتقل بموته إلى حيازتي ... لا أعرف لماذا تخيلته تلك الليلة ؟ ورأيت صورته في كل المكان؟. رغم أنه
منذ موته لم يمر بذاكرتي إلا حين يذكره الآخرون ، حتى بوجود ابنته في سريري ، ربما حضور صورته الطاغي تلك
الليلة سببه أن كل المال كان له لذلك يعاتبني على ضياعه .
أتعرف ياصاحبي أن الساعة الثالثة والنصف صباحا ليلتها لم تسعفني بالنوم؟. ولم تسعفني بأن أذهب إلى مكان ما؟. ولا
أدري لماذا حركتني قدماي أو قدماي حركتاني لأتمشى ليلا في القرية ، كم هي تعيسة تلك الليلة ؟!. وصلت إلى المسجد بعد
أن مررت مشيا على بيوت كانت طفولتي أمام ابوابها واسوارها . آه تذكرت في لحظتها بأن في قريتنا مسجدا ، كانت
صورته قد اختفت كباقي تفاصيل القرية عندي منذ زمن .. وجدته يجذبني اليه ، دخلته دون وضوء ، وبعد أن دخلت بقليل ،
تذكرت بأن علي ان أتوضأ. توضأت . عدت إلى ماكنت أفعله في سالف الايام ، قرأت القرآن ، كان جميلا و مسكنا ، وكان
وصول الناس ووصول إمام المسجد قاسيا على قلبي . أردت أن لايقطعوني عن القراءة ، انها لذة لم أعهدها من قبل. أردت
أن أواصل ، صليت معهم وأعرف أن بعضهم تهامس عند خروجه مستغربا من أن اصلي الفجر ، أردت أن أواصل قراءة
القرآن ، سلمت على الإمام وعلى عدد ممن بقي متأخرا ، ظللت أقرأ حتى أشرقت الشمس .
كانت ثمة نافذة جنب المحراب تأتي بالضوء كأنه حزمة من النقاء ، اطلت عيناي منها ، لترى ذلك المنظر الجميل ، الله كم
موقعه جميل مسجد قريتنا في قمة الجبل؟! تنظر إلى الأسفل فترى الوديان والسهول الممتدة مع خور جميل يمتد حتى
البحر الذي تعكس زرقته أشعة الضوء بجمال متناه ،لماذ لم يفكر أحد أن يستثمر هذا المكان الجميل ؟!. أنا متأكد أن
السياح سيجنون حين يشاهدونه ......
تسألت في داخلي لحظتها :
(أعوذ بالله .. ماذا بي ؟ .. ماذا دهاني ؟ .. أنا في بيت الله .. واريد أن استثمره للتجارة وللسياحة .. لما لا .. لما ..
لما لا يكون الله قادك إلى هذا المكان لتنجو من الافلاس والهوان والذل ؟.)
كانت تلك الكلمات بداخلي ، عصفت بي للحظات ثم انتصر الشيطان الساكن في يسار قلبي كعادته ، وخرجت إلى مسكن الإمام ..
لم يكن من الصعب بأن أجعله إلى جانبي ليساعدني في إقناع أبناء القرية بأن الخير سيعم المكان والمنطقة كلها ، وبأن
أبناءهم سيعملون في المشروع السياحي وبأننا سنبني مسجدا أكبر منه في موقع آخر ، فقمت بأخذ تنازلات من الجميع واستعنت بمعارفي في كتابة الأرض بإسمي وبعتها لمستثمرين كرام ، أحبوا الفكرة وأقبلوا عليها بسرعة وسددت ديوني
وبدأت الحياة تلعب لعبتها معي من جديد .
- هل كان بعيدا من هنا هذا المسجد ؟
- ليس كثيرا أظنه مكان المسبح والمطعم الإيطالي أو أقرب قليلا إلى خيمة الرقص الشرقي.
- وأين بنيت لهم المسجد الجديد ؟
- لم يبن بعد ، المشكلة ياصاحبي بأن أسعار أراضي القرية ارتفعت والميزانية المخصصة للمسجد الجديد لم تخطط
وتحسب لهذا الإرتفاع .

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس