....
...
..
.
حين صدَمَتْني حاسية التقوقع على نفسي، كنتَ أنت تحثُّ الخطى إلى العودة.. وانا أقطعُ السحاب بعيدًا عنك.. وقفتُ على ذلك المسرح ( أحمل الصحراء في صوتي) وأنثرها على الحضور الذي صفقوا كثيرًا حتى رضيَ عنهم غروري الكبير.. ولكن لم تكن أذنُكَ حاضرة معي، فقد تركتها لك حتى تسمع نجواي لك عبر اللاسلكي المتقطع على أرض الجزائر.. يد (أحمد بخيت) الصديق الرائع.. سجلت تلك الأمسية على كاميرتي.. كي تراني بعد عودتي إلى وطنك.. هذا الصديق الذي ظلتُ منذ أكثر من 9 سنوات أتابعه عبر صفحات الانترنت المشوشة.. أنتظر الوصول إلى أوراقه وشخصه الجميل المتمثل في أشعاره، وحين التقيته في جزائر الشعر.. كان أرقى مما تخيلت، وأعف شاعر التقيتُ به.. تكفيك ابتسامته المزهرة.. وروحه الطيبة المتقدة الرافضة لكل عمل سطحي وبارد.. كانت تلك الزهرة الندية ( حنين عمر) تخفف وطأة الجفاف وتغدقني بأمطارها المرحة.. حتى في عز ضيقها من صديقها علي البحريني، الذي لم يعرف معنى الصداقة الحقيقية، وأخذته الغيرة الغبية من فتاتين اشتركتا في انسجام فكري وروحي وقلبي.. في تلك الأمسية الباردة.. كانت تشعل ضحكاتها بين حين وحين.. وأنا لم أكن بجانبهم معظم الوقت.. فيداك أخذتني معك عند لحظة الوداع .. ومازالت رائحة عطرك تمتزج بحبات الندى في كفوفي.. وموسيقى الأغاني تثير أشجاننا وفرحنا ورقصنا أنا وهي.. فتارة معها وتارات معك.. فقط (أحبك.. هذا كل شيٍّ بقا..)
الليالي الباردة أمام وجه البحر..ودفتر المشروع الذي ندرسه أنا وحنين تتقلب صفحاته في أصابع الريح.. والقلم يكتب.. أرجوحات الشغب التي ركبناها أنا وحنين كادت أن تسقط علينا بأكوام من خشب.. وصخب مليء بالضحك.. ذلك الخشب الذي صنعت منه دهاليز اللعبة كلها، وعُلّقَت على جانبها أرجوحتان صغيرتان. تكفي لخاصرات الصغيرات.. أما نحن فانحشرنا فيها نمارس الطفولة المتأخرة بعد 15 عاما.. مددنا أقدامنا على زرقة مياه (المسبح) الخارجي، الملقى في الهواء البارد.. وثيابنا تبللت جراء قربنا من المياه..
الأصدقاء في العكاظية يبحثون عنا، ونحن نهرب منهم إلى خلوات تجمعنا.. تدغدغنا.. ليس لدينا أياما كثيرة كي نبعثرها على غيرنا.. فليست إلا 3 أيام ويغمض جفن اللقاء عينيه حتى إشعار آخر.. مضت أيام العكاظية مليئة بالندى ومضينا في سيارة ( السفارة الإماراتية) مع السيد ( صلاح الدين) هذا الرجل الدمث.. جميل الخلق والوجه، عذب الكلام وسمح التعامل.. تركَنا هناك في ساحة المطار.. لنملأها بخيوط النعناع وأفكار مشتعلة تتقد على ظهر الورق.. دفتر أصفر الغلاف تربعت في صدره جملة ( القدس في ضمير الشعر العربي) كانت أفكار المشروع تتسلسل دفقات جميلة.. وخطط وضحكات وأحلام.. و(برزة) نجتمع إليها نحن والصديقات.. هكذا خيل إلينا أننا سنفعل يوما ما..
امتلأ حضني بدموع حنين.. حين انكبتْ بحنينها الشفيف لحظة اقتراب الإقلاع.. ( قلعت فؤادي) تسمرتُ.. تجمدت يداي.. بقيت مذهولة .. ( أحبج يا دبة – وراح أجي وراكي لأبوظبي) قبضت على يديها.. وشعرتُ وأنا أختم الجواز للمرة الأخيرة في أرض الجزائر.. أنني نسيت يدي معكِ.. وأريدك أن تأتي لترجعينها إليّ..
حنين: إلى اللقاء.. الجزائر: إلى اللقاء.. وأما أنت.. فتنتظرني في مطار دبي الدولي.. بباقة ورد ملونة.. وعينين ساهرتين.. وحضن كبير....
.
..
...
....
زينب....