..
2-
دسستُ رأسي تحت وِسادتِي وَ غفوت إلى أن ضربتني أمي بثلاث ضربات على ساعدي:
:بشاير قومي قومي الكل تحت إلا أنتِ .. لي ساعة أقومك يالله انزلي بسرعة
: خلاص يمه قمت ..
ضممت أصابعي المُرتعشة وَ فرقعتها لعلّي أخفف من حدة القهر الذي يسكن ساعاتي ..
وَصلني صوت أمي : لو ما نزلتِ ترى بنروح ونخليك .
كنتُ بحاجة لأن يذهبوا دوني .. لا أريد أن أرى جميع الوجوه وألتقيها دونه !
ارتديت ملابسي على عجلٍ و لبستُ عباءتي وَ ضيّقتُ نقابي عَلَى رموشي أكثر
حتى وَ إن بعثت بي التفاصيل للبكاء لن أسمح لأحدٍ برؤيتها ..!
لم أنسى أن آخذ معي دفتري الصغير وقلمِي في حقيبتي ،
ذلك القلم الذي يشعر بكل سكناتي ، وحده من يُجسد آلامِي ويتشابك
مع العتمة التي تسكن أجزائي و يقتحم كُل ما يخصنِي وَ قلبي ،
هو الوحيد من جعلني شاعرة بالورق وإن كانت أوزانها مُكسَّرة
ولكنه شَهدَ انفعالاتي الداخلية بأركان زوايا تلك القصائد المُنهارة بُكاء وَ عزلة واستحيــاء
على الأقل هي من تستطيع إدانتُك ، حتى تَفضي لها بإجاباتك التي تحتاجها
كَ مُسكنات وَجع فَتَكَ بها حنينا ً وَ تساؤلات حمقاء برائـحة الضَّجر
الذي لغمُه صَمتُك و زرعته بِها سنينا ً ،!
ركبتُ عند باب السَّيارة اليُمنى لتبدأ رحلة البحث فِي وجوه العابرين
بفوضوية عيناي قائلة :
دعوني أجده الآن وإن دَفعتُ ثمن بياضي حتى أحصل على سبب اختياره الرحيل
الأبدي !
حِينُهَا كُل سبب سَ تطرحه لن يُضيء نفعا ً ولن يُحرق كبريائي وَ ثقتي الكبيرة
بحُبك التي كُنت أخالها حتى أنغمس لاهثة بين تردد أجوبةً أذلتني فعلا ً بين مواثيق
أقوالك وَ عقدُك عهود حُبلى بهم بِ عمر تاريخ توقيع وشاهدان !
مَرّت حافلة مجنونة تُزاحم عجلات سيارتُنَا أوقفتْ قلبي رُعبا ً
وَ أيقظتُ صوتِي المخنوق صُراخا ًوَ لم يَكن ذات هلع قوي حتى أُرعبُهم وأشغلُهم بي !
سَندتُ رأسي بخجل أخفي ملامح الذُعر وأبتلعُ أسبابي خشية سؤال !
وقطع أخي الصغير بجوابِ نجاة ..
: الله أنوار الرياض كثيرة تشوفونها كيف !
: ياولدي ضيعنا وسط المدينة هو مخرج ب 16؟ عندي أغراض لواحد لازم توصل له اليوم ..
تمنيتُ لو أن الأنوار تتسلل إلينا وترتشفني سريعا ً أفضل الذهاب للمجهول
ولا ألتقي بعينين جَهلتني، جَعلتنِي تائهة أوبِخ المَخارج وَ الطُرقات كَيف لم تأتِني بِهِ
وَ كيف جَعلت من أرصفتها الإسمنتية أوسع من ابتسامته وَ بشاشته وَ رحَابة صدره
التِي كُنت أجدُها كُلمَا اقتربنَا ، وَ يَتَّسع الكون نورا ً بعيني وَ حُباً يزداد بِي لَه!
لعلّ قَدْ تَكون فكرة البحث وَ الضياع فِي أطراف المدينة قد توصلنِي إليه ،
إنني بِـحاجة أَنْ أُسابق الوقت قد أستطيع مَنْعه وتغيير الأمور لِ يُدرك خشونة قراره
الذي تركهُ عذاباً يُزاحم عيناي المَحقونة بِكل تفاصيله !
تزداد سرعتنَا الآن وَ تزداد أعماقي تَجمُدا ً وَ حسرة تتبعثر سؤلا ً
يا شوارع العاصمة لِمَ أنتِ قاسية هكذا ؟
أقسي علي أكثر و اسحقيني بينك بِنهاية مُبهمة المَصير ..
و أدفنِي أسئلتي المحمومة له بجسدي ! و اتركيني هاهُنا حتى يُدرك
كم أنا وفيّة وباقية على ذات الحب المغروس بين أصلابي !
يُطفئ والدي السيارة المُتعبة سَفر وَ ترحال ..
وَ أفتح بابي وَ تتكوم قدماي على ذلك الشارع لعلّ ثمة رياح عاتية آتية لأخذي !
الجميع يفر من السَّيارة وكأنَّ الشوارع أنقذتهم الآن ..!
حضنتني خالتي وقبلتُ جبينها المُشرق سعادة
:عقبالك يابنتي نجيكم ونحضر فرحك ..
أغلق عيناي بألمٍ يتسع بداخلي بلا قيود !
وَ أمزق أحلام الطِفلة بِعمر عشرين عام وأنهرهَا لِتترك عِنادهَا وَ تحديقها الطَويل
بأحلام لن نستطيع مِلكُهَا وَ لن يَعقدون قِرانُها الأول لطالمَا اعتادت أن تُقحمهم بأجواء
بروفاتهَا المتكررة ،
وتنام طِفلتي العشرينية و محروق مابين أضلعِي شفقة عليهَا قائلة :
نامِي يا عزيزتِي سَ تـجدين غدا ً مَساحات خَصِبة وَ عينيه البنية وَ سجادة شُكر !
..