منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ما خبأتهُ تحت وسادتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-22-2010, 08:51 PM   #4
صبا الكادي
( كاتبة )

الصورة الرمزية صبا الكادي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 17

صبا الكادي غير متواجد حاليا

افتراضي


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"كوب قهوة ودمعة "

الفصل الأول:


بالكاد فتحت عينيها وهي تمسح قطرات من العرق عن جبينها وعنقها،رمت بـ الغطاء بعيداً عنها بأقدامها وهي متململة من الفراش.
التفتت حولها وهي تفكر لما أصبحت أجواء الغرفة حارة هكذا،نظرت لنافذتها وإذ هي مغلقة تذكرت كيف كانت الغرفة في أول الليل باردة والرياح قوية بالخارج مما اضطرها لإغلاق النوافذ فجسمها النحيل لن يتحمل برودة زائدة على برودة قلبها الذي ينتفض بين أضلاع صدرها كطير ابتل في ليلة شتاء ولم يجد عش يمنحه الدفء.
نهضت بكسل عن السرير وهي تجر شالها المخملي لتضعه على أكتافها التي تحمل عبء الجراح.
أبعدت الستارة وكأنها تزيح الظلام المنسدل على أحلامها.فتحت جزء من النافذة لتكون نسمات الهواء أول من يفوز برؤية وجه ليلى.تنفست بعمق وأغمضت عينيها وشعرت بأن مازال لديها الرغبة في النوم مرة أخرى.
عادت لسريرها ترمي بحزنها على وسادتها قبل أن تضع رأس مليء بالذكريات الرمادية.
مرت الدقائق طويلة ولم تنم كانت تعرف بان مجرد نهوضها من الفراش كفيل بأن يسرق النوم من أجفانها.تقلبت في فراشها وهي تنشد الفكر حفنة نومٍ تمنحها السلام قبل أن تخرج لعالمها الذي ينتظرها خلف جدران الغرفة.
وفي ختام معركة مع وسائدها وغطائها..أعلنت انهزامها أمام الأرق،فآثرت فنجان من القهوة من آلتها الحبيبة التي تعرف كيف تعدل مزاجها كل صباح.لذلك قررت أن تكون قهوتها أول من يستفتح يومها الباكر.
خرجت من مملكتها دون أن تنظر لوجهها في المرآة ،شعرها منسدل رغم بعض الخصلات المتطايرة دون ترتيب وكأنها تعلن حالة تمرد على النظام اليومي كانت خطواتها ثقيلة لم تهتم إن كانت ستصادف أحد في طريقها.وبقايا كحل في عينها رغم أنها حرصت على إزالة ما في وجهها من زينة قبل النوم ولكن تداركت بأن دموعها في الليل أخرجت الكحل من زوايا عينيها الباكيتان.
لبرهة فكرت:ماذا ولو كان شكلي غير مهندم اللباس أو مسرحة الشعر..فقد مللت القوانين والمحافظة على الشكليات ، تشعر بنشوة صباحية تود فيها لو تحتضن السماء بطهرها ونقاء قلبها.واثقة بأن اليوم سـ يكون يوم سلام لمشاعرها وإحساسها.ولم تعلم بأن اليوم سـ تشن أقوى حروب الذكريات عليها.
كانت حافية القدمين رغم برودة الأرضية ورغم ارتجاف ساقيها الدقيقتان..إلا أنها كانت تمشي بسرعة وهي تخفي ابتسامتها بطرف شالها وتتخيل لو قابلت أحداً بالصدفة لربما شكلها كان كفيل بأن يصيب المار بنوبة..رعب صباحية.
المهم أن تصل لآلة القهوة..
رمقتها بنظرة حنان وشوق ووضعت القهوة فيها ولم تكتفي بمقدار واحد بل مقدارين.جلست بالقرب منها تنظر لقطرات القهوة وهي تصفى في الإبريق الزجاجي
وهي تتذكر حديث والدتها-رحمة الله عليها-
( يا ابنتي لا تكثري من القهوة فمازلت صغيرة وهي تأثر عليك كفتاة لم تتزوج بعد قد تسبب لك أمراض أنت في غنى عنها..الحياة أمامك)
ابتسمت ليلى شوقا لوالدتها ولأيام مضت بكل شقاوتها.وابتسمت لحياة عاشتها فقط في أحلامها.
ومع كل قطرة من قهوتها كانت تحسب سنينها وكيف بلغت 35 سنة وهي مازالت تلك الفتاة،الكل تغيرت حياته للأفضل أو الأسوأ المهم هناك تغيير إلا هي وقهوتها التي مازالت مرة وشديدة السواد.
ولم تنتبه إلا على صوت الآلة عندما توقفت لتعلن عن رائحة القهوة الزكية.لتملئ فنجانها المفضل وتتوجه نحو باب المطبخ المطل على الخارج وتجلس على أول درجة في سلمه وتتأمل جمال الصباح وهي تلف شالها على جسمها رغم أن الجو كان دافئ وينبأ بهطول المطر.ف قد كانت الغيوم ملء السماء لكن المطر لم يبدأ بعد.راحت تتأمل كيف الغيوم تتسلق زرقة السماء وتحجب الشمس بين لحظة وأخرى.أغمضت عينها مع مرور نسمة هواء تطاير معها شعرها لتفوح ريح العود منه.
مسكت بأطراف شعرها، كم هو ضعيف ومقصف فقد تركته الفترة الأخيرة دون اهتمام وعناية
جمعته على جانب عنقها ليسدل على كتفها جمعت أطرافه وشمت رائحة العود فيه.لتعود بها تلك الرائحة إلى الليلة الماضية عندما كانت في حفل خطوبة ابنة خالها وأعز صديقاتها تحمل المبخرة لتطييب النساء بالعود كانت كالفراشة بينهم بثوبها السكري المذهبة أطرافه من الأسفل ويلتف حول خصرها الناحل طوق مزركش ذهبي.ولكن لم يغيب عن سمعها تعليقاتهن عليها وعلى عمرها الفاني والمتفاني في خدمة والدها وأهلها.
ولا تخلو بعض التعليقات من اتهامات باطلة وبأنها شخصية متكبرة ومغرورة وبأنها كانت ترفض المتقدمين لأنها لا ترى فيهم من يستحقها.
وتذكرت تلك العجوز التي ارتبكت عندما التفت لها ليلى وهي تتحدث عنها بسوء أمام مجموعة نسوة لم ترمش أهدابهن وهن ينظرن لـها.
وابتسمت لها ليلى وفي خلجات روحها تتمنى لو تستطيع قتل النظرات.
ضحكت ليلى وهي تتذكر عيني العجوز الجاحظتان من الخوف حتى علا صوتها بالضحكة ليقطع حبل أفكارها صوت بوق سيارة خلف بوابة منزلهم.
نهضت ليلى سريعا وهي ترتب هندامها وتضع الشال على رأسها لتدوس على طرف قميصها ويختل توازن قدمها وتترنح ويسقط فنجان قهوتها على سلالم المطبخ ويتكسر أشلاء وتراق القهوة بكل هدوء..
وهي ترقب بنظرها فنجانها وقهوتها..وعادت تضحك وتضحك على شكلها وهي تحاول أن تعيد لنفسها توازنها حتى غاصت قدمها في الطين حول أشجار صغيرة لا تعرف ما تنتج من ثمار ولكن تربتها مشبعة بالماء من الري..ولم تستوعب ما هي عليه حتى لامست قطرات المطر وجهها.ف قد بدأت السماء بالرحمة وهطول المطر.
بالكاد التقطت أنفاسها وسارعت للاختباء تحت سقف الشباك العلوي عن المطر وعن القادم من خلف أسوار منزلهم.
كـ فضول فتاة تحب أن تشاهد كل غريب لا يراها انحنت برأسها للأمام لترى العامل يتجه للبوابة ويفتحها للقادم ولم يدرك بأنه فتح قلبها على مصراعيه..ولم تصدق عيناها من رأت.
رجل تجاوز 40 والشيب يرسم معالمه على لحيته سرت القشعريرة في جسدها وعلى امتداد ظهرها لتنتفض بقوة خوفا وفرحة وحنينا وحزنا..هل يعقل بعد هذه السنين أن تراه.بالأمس الكل يقول بأنه في جدة لارتباطه بـ أعمال هناك.والآن هو أمامها وليس لـ وحده معه طفلة صغيرة تحمل ملامحه الجذابة.متشبثة بطرف ثوبه وترفع رأسها للأعلى وهي فاتحه فمها لقطرات المطربـ سعادة.
وفجأة التفت ذاك الرجل في اتجاه ليلى وأمد النظر لبرهة وكأنه شعر بها.
خافت وتراجعت للخلف والتصقت بالحائط وهي تحاول أن تهدي نفسها ومن شدة ارتجافها
هل يا ترى شاهدني هل عرف من أنا؟أم يتهيأ لي بأنه ينظر لي.أم احلم بأنه مازال يأسرني بنظراته
ربما أشتم رائحتي..أو سمع دقات قلبي....ربما كل شي يحدث ولكن أن أراه، ليت لم أعد لأرض الجنوب..13 عاما كانت كفيلة بان أنسى القرية ومن فيها..ليت بقيت على قراري حينما رفضت العودة وبقيت هناك في الشرق ابعد ما أكون عن ارض تحمل جسده....
كانت تغمض أجفانها بقوة وهي تتحسر في داخلها..أوااه ليت لم أقم من فراشي..ولم أحلم بفنجال قهوة ليت السماء لم تمطر ولم يكن الطقس جميل ليت لم يكن شيء المهم أن لا تقودني تلك الأمور لرؤيته.
هدأت قليلا وهي تسمع صوته لتجلس بهدوء وظهرها مسند على الحائط.. ما أعذب صوته مازال يحمل تلك النغمة الدافئة فيه مازلت فيه نبرة حنان لا يطرب لها سوى مسامعي.آه يا أحمد ليتك لم تأتي...ليتك لم تتحدث..
زمجر بعدها رعد قوي لم يكن أقوى من صرخة سكنت صدرها وهي تضع يدها على فمها تخاف أن يسمع نحيب بكاءها حنينا له.شوقاً لـ أيام انتهت كانت تجمعهما كـ حبيبين كيف لا وقد كان ابن خالتها وخطيبها لـثلاث سنوات بعد قصة حب منذ طفولتهم.وشاءت الأقدار أن يفترقا ظلما وقهرا..
سمعته يتحدث وكان بـ ودها لو يصمت المطر لـ ثواني حتى تشبع مسامع قلبها منه.
أحمد وهو يحمل الطفلة بين ذراعيه بعد زمجرة الرعد:أين الخال حسن؟
العامل: انه نائم..لقد جئت مبكرا
الرجل: أردته لأمر ضروري، ولا أريد أن أصادف أحدا غيره.سأذهب الآن وأعرج عليه بعد ساعة تقريباً. وأتمنى أن التقية.فـ لديه أمانة تخصني وأريد أن أستعيدها.
العامل:بإذن الله.
خرج ولكن بعد أن التفت للزاوية التي تموت فيها ليلى..وكأنه يشعر بها...وضع الطفلة على الأرض وقال: هيا يا ليلى سريعا لـ السيارة قبل أن يشتد المطر.
خرج وهو يحمل معها روحها.وظلت على حالها لـدقائق طويلة مابين ليت ولو..وذكريات تنهش بـ صدرها لـ تسرق نبض قلبها.
نهضت وحملت معها بقايا فنجانها المحطم وكأنها تلتقط أشلائها بعد أن بعثرها حضور أحمد.
لا تشتم سوى رائحة القهوة ممزوجة برائحة المطر والطين وذاك العثرب وشجر العرعر ورائحة احتراق قلبها ودمعة سقطت نقية صافية تعكر سواد قهوتها المراقة على سلالم حلمها.
عادت لـ غرفتها تفكر في أحمد هذه طفلته أسماها ليلى.. هل يعقل مازلت أعيش في حياته.
مازلت متشبثة في ذاكرته..مازلت نبضة في قلبه ودمعه لم تسقط من عينه
أواااه يا أحمد ليتك تعلم ما حدث في عندما شعرت بك فقط وأما رؤيتك وسماع صوتك فقد زلزل كل خلية في..اشتقت لك..وهل تفي بإحساس وأدته منذ سنين
اشتقت لك..وهل تكفي لتكون متنفس مشاعر كتمتها منذ رحيلك
اشتقت لك...حتى كرهت كل شيء يذكرني بك..
اشتقت لك...حتى تمنيت موتك لـ أحزن دون رجاء دون رجاء أن التقي بك يوماً....


..يتبع..

 

التوقيع

فراغٌ مُزدحم..

صبا الكادي غير متصل   رد مع اقتباس