الفصل الثاني:
****
كان أحمد يعمل في السلك العسكري عندما تقدم لـ ليلى وتم عقد نكاحهم ولـ ظروف دراستها كان زفافهم مؤجل حتى حين تخرجها و استمر عقد النكاح لـ ثلاث سنين كانت المسافة كبيرة وطويلة مكانا وزمانا بينهما حيث يعمل هو في خميس مشيط وكانت ليلى تسكن الدمام فـ كانت فترات اللقاء متباعدة ولكن كانت حميمة لـ درجة نسيان المسافات بينهم.
حتى كان اليوم الشؤم عندما جاء خبر أن أحمد تم فصله من عمله بسبب ارتفاع نسبة المنشطات في دمه وأنتشر خبر تعاطيه للحشيش.
تذكرت وهي لم تنسى قط عندما جاء كـ المجنون أمامها وأمام والدتها واقسم بان الأمر اتهام باطل له وأن الموضوع مكيدة فقط لا غير ولكن ليلى لم تصدقه بل صدقته ولكن لم تستطع الوقوف في وجه والدها وأخوها.ولم تستطع أن تنفي ما سمعته لم يكن القرار بيدها بل بيدهم هم التزمت الصمت بعد أن علت الدهشة والصدمة وجهها.ولكن رسخ في عقلها كلماته
وهو خارج من منزلهم يخاطب والدها:
لك ما تريد..ولكن ثق بـ أني سـ أحصل على ما أريد ولو بعد حين وماكان لي سـ يبقى لي
وكانت تعلم بأنه يقصدها.ولكن لماذا تنازل عنها بـ سهولة هكذا .لما لم يطيب خاطرها هي؟ لما لم يطلب منها فرصة ليتحدثا ويناقشا أمر الخلاف..وأمر فصله من العمل..لما قبل رحيله لم يطلب أن يراها ويجلس معها ليس بالضرورة أن يتحدث يكفي بأن يجعلها على صدره تبكي فراقه..لما بـ كل بساطة خرج دون عودة لما كان قاسي معها ؟؟
خرج وبعدها بأيام وصلت ورقة فسخ عقد النكاح لـ ليلى لـ تكون القاضية عليها..وبعدها بـ 8 أشهر توفت والدتها لتعيش مرارة فقدها فـ كان فراق أحمد ومن ثم أمها..كـ جرعة سم سرت في دمها ولكن موته بطيء تجرعتها طوال السنين ولم يشهد لها بحزنها سوى دمعها وأنينها كل ليلة.حتى قررت ذات ليلة أن تنهي حزنها أن تجمد كل مشاعرها حتى أنعكس هذا على ملامح وجهها الجميل فكانت ذات ملامح حادة تحمل العزة والصلابة لا تسمح للدمع أن يرافق دربها ولا تسمح للمشاعر أن تدغدغ إحساسها الأنثوي.حتى شعرها أقسمت إلا تجعله يتجاوز كتفها لأنها تعلم بـ أن أحمد يعشق شعرها طويلاً بلونه البني الداكن المناسب لبشرتها البيضاء ولون عينيها العسليتان.
وبعد مرور 13 عام عادت للقرية بعد إلحاح شديد من الكثير لتحضر حفل خطوبة وزواج بنت خالها وصديقة طفولتها.وافقت بعد أن تأكدت بأنها لن تراه بأن الظروف كلها في مصلحتها
وبأنه متواجد في جدة لأن فتاته الصغيرة لديها مواعيد طبية في مستشفى العسكري نظراً لـ مرضها بـ ثقب في القلب..وماعلم أحمد بأنه ترك ثقب أكبر في قلب ليلى عندما تركها لـ وحدها تبكيه وتبكي أمها..
و شاءت الأقدار أن تراه ومن قريب وتسمع صوته وتشعر بدفء أنفاسه ممزوجاً بهواء ونسيم الجنوب ورائحة الطين المبتل بالمطر.
دخلت ليلى غرفتها وكانت مظلمة لشدة المطر بالخارج لم تكن تعي ما حولها جلست على طرف سريرها
تجر أذيال مشاعرها قبل أقدامها..تتخبط في أشواقها وكبرياءها تحاول ألا تسقط وتبقى واقفة مثلما تركها أحمد قبل سنوات وسنوات.لا حراك فقط تتلقى صدمة رحيله وتنازله عنها.
تحاول أن تستجمع قلبها الذي تشتت بين أضلاع صدرها تحاول أن تتنفس بعمق ل ربما زفرت ألم لقاءه وارتاحت من وخزهِ في جسدها الناحل.
وتلت عليها الذكريات كـ سياط جلاد لا يرحم..سريعة قوية كصوت ذاك المطر وإن زمجر الرعد صرخ الجرح في قلبها وإن أضاء البرق تسارعت الصور أمام عينها.كانت تمطر حزناً بقدر أشواقها له.
سندت يديها للخلف ورفعت رأسها للأعلى ربما تمنع دمعة أن تسقط
لا تذكر آخر مرة بكت فيها فقد تحجر قلبها منذ تلك السنين ، رأت بأن الحل السليم لمواجهة الحياة هي أن تكون أقسى من الحياة ذاتها.
وبعد أن أخذت نفس عميق جالت الأفكار ممزوجة بالذكريات في رأسها..
كم كان يمقت والدي أحمد وكم كانت سعادته حينما طلقني منه.ولم يرض في البداية إلا بعد ضغوط والدتي ولكن أخطأ أحمد عندما وثق فيمن لا يستحق الثقة. عندما تنازل عني بسهولة عندما كتم عني أسراره لأعرفها من غيره...وكان خطأه سلاح حاد غرس في خاصرة حبنا لـ يموت وهو مازال في حضن قلوبنا.
سامحك الله يا أحمد تركتني في أسوء حال كرهت الرجال من بعدك فـ لم أعشق سواك وبقيت لك العمر كله أفي بـ حبي فلم أرى فيهم سوى سراب إن لمحته عيني لم ترتوي روحي منه
كانت تذهب سني عمري واحدة تلو أخرى ولم أحزن لأن في الحقيقة كنت أهبها لك ولـ حبك الذي سكن في أعماقي..كنت لا أرى نفسي مع أحدا سواك..فـ كنت أسعد وأنا أرى نفسي وحيدة بين جدران طيفك..رغم أنك تزوجت بـامرأة أخرى وكانت لك أسرة وحياة..وكنت سعيدة لك وبأنك استطعت أن تكون بشريا مثلهم ولم تكن مثلي مجرد جماد يقف أمام حبك.حتى بعد أن أسميت أبنتك بـ أسمي عرفت مدى وجودك أنت في حياتي وإلا لم أدعو الله أن تنطق اسمي كثيرا حتى في غيابي.فـ ستجاب الله لي ورزقك بـ طفلة لها ملامحك ولها أسمي ويكفي أن فيها كنا قريبين..
هل تتذكر يا أحمد حياتنا وكيف كانت أيامنا..
ومن يتذكرها أيضاً سواي وسواك ربما تلك الهدايا..وبعض الأوراق الشاهدة بـ كلمات الحب والأشواق..وربما صاحب دكان الذهب عندما اشتريت لي منه عقد ومازحتني وقتها بأن على بعد الزواج أن أبيعه وأسدد به ديونك التي اقترضتها من اجلي..وربما طاولة ذاك المطعم وطبق السمك الذي تعشقه كلما زرت المنطقة الشرقية.ربما ذاك الطريق وتلك الأرصفة..ربما صحن البرتقال عندما كانت امي-رحمه الله- تجلس معنا وتبدأ بتقشير البرتقال وإطعامك منه وأنت تود لو تغيب أمي عنا لو للحظات ومازلت حتى الآن رائحة البرتقال تذكرني بك وبابتسامتك..ربما الكل يذكر يا أحمد..إلا قلبك
قلبك..الذي مازال ملك لي وأنا على يقين بذلك ليس غرور بل لأني واثقة من هي ليلى في حياتك وبأني كنت أسري فيك كـ دمك.قلبك الذي تنازل عني في لحظة..قلبك الذي كان كذبة اسعد بها وأصدقها كلما شاهدت ذكرياتك..حتى خاتم الخطوبة مازلت محتفظة به منقوش عليه اسمي واسمك وتاريخ عقد القرآن..ولكن ما لم تعلمه بأني بدلت التاريخ بتاريخ الانفصال هكذا أفضل لي ولقلبي
ولقلبك الذي اعشقه رغم قسوته علي.
رمت نفسها على السرير فارشه ذراعيها وكأنها تحتضن أفكارها المبعثرة وتتأمل سقف غرفتها
وكم تجده قريبا منها وكأنه سيطبق على أنفاسها.
و غفت عينيها ونامت على ملامح وجه أحمد المرسومة بين أهدابها الباكية.
يتبع..