علمني أبي أن الكلمة الجارحة مفصلة على قياس السكين التي مُثلتْ بها، وجاءت على قياسها، ومفصلة على النفس التي تنتمي إليها، فكم من نفس مظلومة من صاحبها إذ يصعد بها إلى مرتقيات لا تتناسب وتربيتها وطبيعتها,
وعلّمني أن النفس الكبيرة لا تضطر إلى الكلمات الجارحة حتى تنزل من كبريائها إلى صغارة لا تكبر بعدها، فإن التجريح اضطرار قهري حين يفلس المنطق الإنساني من حجة، أو رأي سديد، أو حكمة متوخاة..لذا تجد تلك الضرورة كالسعال الغالب على الرئة لا تدفعه إلا لأنها مضطرة إلى دفعه، بعد أن سكن بها من وسخه ما سكن.
لله أنت يا أبي كم حذرتنا من خلع ثياب الخلق على عتبة التجريح الفاضح، وكم أثقلت بتوجيهك عقولنا حتى لا تصبح خفيفة تشطح بها الأهواء، والكلمات الجارحة يمنة ويسرة..وكم نبهتنا إلى إبقاء حبل الود متينا بيننا وبين من نعامل من المخلوقات حتى لا نقع في ذات البلية يوما فنتمنى ما فقدناه اليوم معهم..