عطْرٌ وَ جنّة :
,
لم يكن ذلك الحُلم بعيداً هكذا , الحُلم الذي نذرت غدي لأجله , و وعدتُك بأني سأجعل ( روحي رياضيّة ) كما قُلتِ لي إن فقدته واحمدُ الله دائماً على كلّ ما يُصيبني ,
ولم تكن القرى بهذه القسوة والوحدة والبرْد من قبل , نعم .. البرد والغياب الذي يلسع اطرافي التي بدأت في التقوّس , كانت القرى التي تُغلفها الرطوبة كقطعة غيم تعبت عد المُدن التي تمر بها تُشبه الأمهات , أكثر حميميّة وأكثر روحانيّة , و الصباحات تقُصّ شريط الطمأنينة بحناجر المؤذنين الذين سيكملون طريقهم ذات يومٍ إلى الجنّة , الفجر الذي يستغفر مثلنا يَـعُدّ أمهاتنا ويُمسك لهنّ الصوف الآتي من الغيم لغزل صباحٍ لا بأس به للطيّبين كأن لا تنبعث رائحة الموت ذلك اليوم ولا تأكل الطرقات الأطفال وحقائبهم ,
كنتُ صباحيّا أكثر من العصافير التي استوطنت اركان بيتنا المليء بالثقوب من الخارج , بنجابة أبناء القرى احلُم بشيءٍ صغيرٍ وفي ليْلي تتزاحم الأمنيات , أُشبه القرى مُتعبٌ و حزينٌ بالفطرة دون سببٍ لذلك , كنا نكبُر سويّا في ذلك وتركض قبلنا الأسئلة ولا أجوبةٌ تلوح في نهايةِ الليل ,
لسنا غرباء عن الحُزن يا أسماء ,
الآن في الخطوة الثالثة والعشرين في الطريق إلى النعاس ادرك كما أنت أن القرى التي تشبه امهاتنا لم تفطمنا عنه , لكنهنّ لم يقوّينَ مهاراتنا في الهروب منه إلى اي شيء آخر,
أنا وحيدٌ الآن وحزينٌ بعكس القرى لسببٍ ما , غدِي نهبته الأرصفة والحُلم الذي نذرت عمري لأجله تنوْرس بغتةً , ينقُصني جناحٌ لأحلّق وتنقصني سماءٌ لأبذر أحلامي فيها بعيداً عن اكتظاظ سماء المُدن الكبيرة بأحلام ساكنيها , لستُ صباحيّا كما كنت وتفوّقت عليّ العصافير في ذلك , أحلم بأشياء كثيرة ولا أُريد إلا واحداً ,
فقيرٌ أنا من كلّ شيءٍ عدا الدعوات التي خبأتها الأمهات قبل أن يرحلْن مع الفجر الذي انقصهنّ واحدةً ومَضى ,
لم أوفي بوعدي لكِ بأن أجعل ( روحي رياضيةً ) وليس بيدي ذلك واعذريني ,
لكنّي أحمدُ الله على كلّ شيءٍ ,
واحمده عليك قبل ذلك .
