منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - انطباعات، Symbolism
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2010, 04:54 AM   #6
بثينة محمد
( كاتبة و مترجمة )

الصورة الرمزية بثينة محمد

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 20

بثينة محمد غير متواجد حاليا

افتراضي رسالة من المنفى



" تحية و قبلة و بعد ..

و ليس عندي ما أقول بعد ..
من أين أبتدي ؟!
و من أين أنتهي ؟

و دورة الزمان دون حدّ ..

وكلُّ ما في غربتي زوّادةٌ،
فيها رغيفٌ يابسٌ، ووَجدْ

ودفترٌ يحملُ عنّي بعضَ ما حملتْ

بصقتُ في صفحاتهِ ما ضاقَ بي من حقدْ


من أين أبتدي ؟
و كل ما قيل و ما يقال بعد غد
لا ينتهي بضمة .. أو لمسة من يد


لا يرجع الغريب للديار
لا ينزل الأمطار
لا ينبت الريش على
جناح طير ضائع منهدّ
من أين أبتدي

تحية و قبلة .. و بعد ..



أقول للمذياع..
قل لها أنا بخير

أقول للعصفور

إن صادفتها يا طير
لا تنسني، و قل: بخير
أنا بخير
أنا بخير
ما زال في عيني بصر
ما زال في السما قمر

و ثوبي العتيق،
حتى الآن،
ما اندثر

تمزقت أطرافه

لكنني رتقته..
و لم يزل بخير



وصرتُ شاباً جاوزَ العشرين
تصوريني.. صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشبابِ يا أمّاه
أواجهُ الحياه وأحملُ العبءَ
كما الرجالُ يحملونْ

وأشتغل
في مطعمٍ..
وأغسلُ الصحون.

وأصنعُ القهوةَ للزبونْ
وألصقُ البسماتِ فوق وجهيَ الحزينْ
ليفرحَ الزبونْ


أنا بخيرْ
قد صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشباب يا أمّاه
أدخّنُ التبغَ،
وأتّكي على الجدارْ
أقولُ للحلوةِ: آه
كما يقولُ الآخرونْ
« يا إخوتي، ما أطيبَ البنات،
تصوروا كم مُرَّةٌ هيَ الحياة بدونهنَّ..
مُرّة هي الحياة »

وقالَ صاحبي:
« هل عندكم رغيف؟

يا إخوتي؛ ما قيمةُ الإنسانْ
إن نامَ كلَّ ليلةٍ.. جوعانْ؟ »
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
عندي رغيفٌ أسمر

وسلّةٌ صغيرةٌ من الخضار


سمعتُ في المذياعْ
تحيةَ المشرّدينَ.. للمشرّدينْ
قالَ الجميعُ: كلّنا بخيرْ
لا أحدٌ حزينْ ؛
فكيفَ حالُ والدي؟
ألمْ يزَلْ كعهدهِ، يحبُّ ذكرَ الله والأبناءَ
.. والترابَ.. والزيتون؟

وكيفَ حالُ إخوتي

هل أصبحوا موظفين؟
سمعتُ يوماً والدي يقولْ:
سيصبحونَ كلهم معلمين…
سمعتهُ يقول: (أجوعُ حتى أشتري لهم كتاب)
لا أحد في قريتي يفكُّ حرفاً في خطاب
وكيفَ حالُ أختنا هل كبرتْ..
وجاءها خُطّاب؟
وكيفَ حالُ جدّتي
ألم تزلْ كعهدها تقعدُ عندَ البابْ؟
تدعو لنا…
بالخيرِ.. والشبابِ.. والثوابْ!
وكيفَ حالُ بيتنا والعتبةِ الملساء..
والوجاقِ.. والأبوابْ؟
سمعتُ في المذياعْ
رسائل المشرّدينَ.. للمشردينْ
جميعهم بخيرْ!
لكنني حزينْ..

تكادُ أن تأكلَني الظنونْ
لم يحملِ المذياعُ عنكم خبراً..
ولو حزينْ
ولو حزينْ



الليلُ – يا أمّاهُ –
ذئبٌ جائعٌ سفّاحْ
يطاردُ الغريبَ أينما مضى..
ويفتحُ الآفاقَ للأشباحْ
وغابةُ الصفصافِ لم تزلْ
تعانقُ الرياحْ

ماذا جنينا نحنُ يا أماهْ؟
حتّى نموتَ مرّتين
فمرّةً نموتُ في الحياة
ومرةً نموتُ عندَ الموتْ!



هل تعلمينَ ما الذي يملأني بكاء؟
هَبي مرضتُ ليلةً..
وهدَّ جسمي الداء!

هل يذكرُ المساءْ
مهاجراً أتى هنا..
ولم يعدْ إلى الوطن؟

هل يذكر المساءْ
مهاجراً ماتَ بلا كفنْ؟
يا غابةَ الصفصاف!
هل ستذكرين
أن الذي
رَموْه تحتَ ظلّكِ الحزينْ

-كأيِّ شيءٍ ميّتٍ – إنسانْ؟
هل تذكرينَ أنني إنسانْ
وتفُضِّينَ جثتي من سطوةِ الغربانْ؟



أمّاهُ يا أماه.
لمن كتبتُ هذهِ الأوراق
أيُّ بريدٍ ذاهبٍ يحملها؟
سُدَّت طريقُ البرِّ والبحارِ والآفاقْ..
وأنتِ يا أمّاه ووالدي،
وإخوتي، والأهلُ، والرفاقْ..
لعلّكم أحياءْ
لعلّكم أمواتْ
لعلّكم مثلي بلا عنوانْ
ما قيمةُ الإنسان
بلا وطن
بلا علَمْ
ودونما عنوانْ

ما قيمةُ الإنسانْ؟"




قريبا إن شاء الله سأجلب لكم قرائتي لهذه القصيدة المشهورة جدا و المؤثرة جدا..

 

التوقيع





التعديل الأخير تم بواسطة بثينة محمد ; 08-05-2010 الساعة 05:09 AM.

بثينة محمد غير متصل   رد مع اقتباس