وتابعتْ سير الرسالة ، وأردفتْ التساؤل أمثاله مما عنّ في خاطر قلمها رواية عن خاطر قلبها، واستبسلتْ على اقتحام حصن مهيب من واردات فكري، وشاردات معترك مابين دفتي كبدي...وقالت:
" أيه الأديب المكتظ بما زاحمتَ به شعرة قلمك فخلقت من وحدة عنصرها تعدد آلامها، وفرحها..لو سمح الزمان لنا يوماً بوضع أوزار هذا القلم، وقبله أوزار ذياك الألم، هل سيكفينا العمر المتبقي من حصة حياتنا أن نكمل دورة لقاء صنعها الخيال في أخص الحواس فينا؟ .. وما العمر المقدر -أيه الأديب- إلا المحطة الأولى تشي بوشوشتها إلى المحطة القادمة أن ثمة عاشقين مازالا يدرجان حبواً بغية المن عليهما بأمد كأمد الروح الحالمة في دنيا لا تعترف بحلم بعيداً عن إكسير هذه المادة المعتمة القاسية المسماة جِرماً..".
وعلقت على تساؤلها قائلاً:
أديبتي حيثما شطحت بك رياح هذه الفلسفة الروحية: عجباً لشعرة قلمك كيف زهدتك في عمر بأكمله! فأرتك مداه الواسع ثقب إبرة من الضيق لأنه خلا من تقدير أبرم لنا فيه لقاءً، وأنا مع مذهب قلمك غير أنك لو دققت النظر دقة شعرة قلمك لأدركت أن العمر الآدمي ماهو إلا تقسيمة صندوقية تحتل توافهه المربع الكبير منها، ويليه مربع المطامع البدنية كضرورات حياة تعين على قوام الضرورات الأخرى، ومربع حائر بين ذينك المربعين، لا مرد له إلى مطمع عابر ، ولا قرار يستفزه إلى كمالات جانبية..وعلى زاوية بين الجمع المربعي مربع قلّ مَن يستنبهه، رغم أن كل شيء مرجعه إليه...أترين ذلك المربع يا حبيبتي؟؟ إنه صبغة روحينا تشكلت هناك رسم وسم للعشاق، مربع قاهر للحياة، قاهر لدعاوى العمر كله بأحقية العشق رغم ضلالاته، وعذاباته، وآلامه، وجراحاته المبرحة..
خلدنا إليه أنا وأنتِ، وأنا وأنتِ فلسفناه عمرا في عمر، وكيفناه حياة وراء هذه الحياة، فكأنما لنا ماليس للناس، وللناس مالا يكفينا يا روحي المسماة أنتِ..فليذهب العمر كما حلا له الذهاب..لنا من وراء محيطه أعمار تخصنا، وحياة تمثلنا، وما أجمل أن تقفر الأرض في عيوننا خالية من أهلها لأننا أهلها ولا مزاحم حينئذ.
هل أدركت يوما بشعرة قلمك كم أحبك؟؟ كم أبيع من أجزاء حياتي لأربح حبك؟؟ كم أقترض من مقومات الحياة الخاصة بديمومة حبك؟؟ كم أستجدي العذاب أن يفنيني ليعيدني القدر مخلوقاً آخر حتى أحبك بعدد ذرات حبك في قلبي مخلوقاتٍ متعددة يا حبيبتي؟؟؟