
* العين التي لا تنام ..
في قرية ترفو مكثها على تلة من الخمائل كانت تعيش ..
في جوف منزل طيني .. وبين النخيل وأحزمة الياسمين .. وسنابل ذات عصف وريحان درجت خطاها ..
كانت كزهرة أخرى تسير على الحقل نهارا .. وبعد مغيب الشمس باتت من الشاردين على موانئ الليل ..
أجهدت والدها الفلاح وأمها الطيبة بالسمر على دكة البيت القديم ..
فأخبروها بأن العين التي لا تغمض .. سيأتي جني الليل ليسرق الجفون ويأكلها ..
مُنذاك .. وهي تنمو على بقعة من الفراش المليئة بحشائش الأرق ..
كل ليلة تخزها الملاءات البيضاء .. وكأنها منسوجة من دبابيس الدم .. وتتدثر بغطاء تغمض فيه رموشها بأكذوبة السبات ..
وعند فلول السحر ترتخي أهدابها تعبة .. وتغط في نوم لا تشوبه الخيالات المريبة ..
ومع ذلك كانت تفارقها انتفاضات مفاجئة في رقادهاالنهاري تجعل أكتافها تبدو وكأن عاصفة حطت عليها لهنيهة ورحلت ..
لياليها باتت بلا غفوة .. أرق .. وقلق , ونمط زمني كدغدغة رتيبة لعقارب الساعة ..فقط تغلق أجفانها وتزعم أنها في حضرة الكرى
شبت على معاداة الليل .. وعلى استفزاز الظلام .. فأضاءت من انتباهتها سراجا متوهجآ حتى مطلع الشمس ..
وذات يوم جاءت ابنة عمتها من المدينة لتزورها ولتقضي بصحبتها بضعة أيام قليلة ..
وبعد يوم ضاحك ومتعب وعند حلول الظلام طلبت الفتاة من ضيفتها .. كوب من الماء كي تأوي لفراشها ..
سألتها زينب بارتعاش : هل سترقدين الآن ؟
قال الفتاة وهي تتثاءب : أجل فقد تجاوزنا منتصف الليل ..
- ولكني لا أنام أنا في هذه الساعة ..
سألتها ضيفتها بدهشة : إذن متى تأوين إلى فراشك ؟
- عند مطلع النهار ...
قالتها بشبه همس ونظرت إلى قريبتها بطرف خفي لترى وقع الكلام عليها ..
هتفت الضيفة باستغراب : انك تقلبين موازيين الكون ..
- أعلم .. ولكن الأمر ليس بيدي ..!
- لماذا ؟
سألتها قريبتها فأومأت زينب خجلة ثم قالت : أخاف جني الظلام ..
- بسم الله .. وما جني الظلام .. بسم الله .. !!؟
- يأتي في الليل .. ويأكل العيون الساهرة ..
ضحكت قريبتها المليئة بالفكر وقالت : وهل تصدقين هذا ؟
- لقد نشأت على هذه الحكاية , فكيف لا أعيشها ..!
- ولكنها أسطورة لا وجود لها .. يرونها للصغار حتى يناموا مبكرا ..
- ماذا ؟
- أجل .. إنها مجرد حكاية للصغار ..
وكأن العالم برمته بات كذبة في مآقيها .. وكأن الظلام كان يضحك عليها كل ليلة ملئ شدقيه لسذاجتها ..
وانتبهت من شرودها إلى الفتاة وهي تقول :
- صدقيني .. لا وجود لهذه الخرافة .. فدعينا ننام حتى نصحو مبكرا ..
لأول مرة تلتحف دهشتها وتغط في نوم عميق .. بعد هذه السنين التي عاشتها في أكذوبة لا حقيقة لها على الإطلاق ..
تحيتي ..