منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - احتماء .... بالضوء !
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-2011, 09:08 PM   #8
سحر الناجي
( كاتبة وإعلامية )

الصورة الرمزية سحر الناجي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 16

سحر الناجي غير متواجد حاليا

افتراضي



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* القطة ..
غريب هذا الليل ويزدحم بصفوف متراصة من جند الظلام ..
غريب إلى حد ابتلع ريقه .. وأشاح بناظريه عن النافذة التي كانت تنفث الريح من وراء قضبانها بأنفاس الزمهرير ..
يرتجف .. حيث ضلعه المائل نحو إنحدار لولبي في عظامه طوء اليسار كان يصدر صرير كبوابة صدئة ..
وذلك السواد لا يمر على زمنه الراهن بخير كما أشادت به شفاه النهار الكاذبة ..
وفي هدأة السحر يأتيه صوت مواء من ناحية البوابة الخشبية الكبيرة .. فينتفض فزعآ ..
يتراجع زحفآ إلى الوراء جلوسآ وهو يحتبي بغطاء سريره كمن ينتظر وحش عملاق سيفترس لحمه ..
وعند اصطدام عينيه بذكرى مؤلمة .. يراوده صوت أبيه من زمن سحيق ومسرف في القدم ..
قال له ذاك القوي بينما كان يتطاير الشرر من عينيه :
-أأنجبت غلاما أنا أم فتاة ..؟
وأردف يصرخ :
- قم يا عدو نفسك .. وواجه خوفك كرجل وليس كبنت تتوارى في خدرها ..
أجل .. قم ياعديم الجرأة واجلب من لحظك بصر ينخر الفزع ..
وتمدد على الظلام بقامتك .. واستخلص من أشياء تجربتك شجاعة .. وواجه خوفك ..
لماذا لا تواجه ذلك الهاجس الملعون بين أوردتك ؟
هيا .. ناكف همهمة المجهول .. وما تخشاء من خبيئة الغيب ألقهِ على رمال الليل ..
قم .. فما تناهى إلى سمعك سوى مواء قطة قد تكون كائن بحاجة إلى عونك ..
لملم على صدره العاري بسترته الجلدية جيدا .. وتحرك ببطئ وتردد يحبو على ركبتيه ..
لكن هاجس القصة البالية ما زال يخيم على وعيه ..
كان الزقاق المظلم في الحي الشرقي من شارعه ينوء بثقل العتمة ..
حين ارتفع صراخ تلك المرأة ومزق كل سكون لليل ..
اجتمع حولها رجالات الحي وأعيانه يسألون عن سر هذا العويل ..
أشارت حينئذ بسبابتها إلى المنطقة الخربة المجانبة للبيت الطيني المهجور ..
قالت بأنفاس متهدجة : لقد أتت من هنا .. كانت بشعة وسوداء .. وكانت جائعة ..
سألها إمام المسجد : ما هي أو من هي ؟
قالت : قطة سوداء كبيرة .. هاجمت طعامنا , وعندما ضربتها ابنتي .. اختطفتها ورحلت من هنا ..
لم يصدق أحد رواية تلك الثكلى .. ومرت السنين والبنت غائبة .. لا تعود ..
هذه الحادثة .. هي هاجسه .. وفزعه .. ومبعث رجفاته ..
وفي هنيهة جنون .. أسرع بخطى التحدي نحو الباب فشرعه ورمق الظلام بعينين دامعتين ..
وكأنه مغيب .. اتجه نحو الصوت الذي سمعه منذ برهة .. ليقف على ماهيته ..
نبش الظلام ببصره .. فإذا بقطة بيضاء صغيرة محجوزة بين صخرة وجذع شجرة ..
دنا منها على وجل .. وسعى إلى خلاصها .. وحين حررها من مأزقها .. حملها إلى حجرته وأطعمها ..
وقضى الليل يلاعبها وينظر إليها بحنان .. قضى على تفاصيل خوفه القديم من خرافة القطط ..

 

سحر الناجي غير متصل   رد مع اقتباس