منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قِصصٌ تُروى .
الموضوع: قِصصٌ تُروى .
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2011, 10:15 PM   #40
عائشه المعمري

كاتبة

مؤسس

الصورة الرمزية عائشه المعمري

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 896

عائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعةعائشه المعمري لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


الصخرة

المغيّب..
كنت ألمحه بصفة يوميةتقريبا .. يجلس على تلك الصخرة البنية العتيقة ..على جرف صخري داخلكحد السيف في البحر.. عجوزهرم غيبته السنون أنهكته حتى لم يبق منه سوى جسد حيينتظر الفناء.
عمل بائعا للخواتم والأحجارالكريمة في سوق الساحل لكنها لم تكنمهنته الأم .. تضاريس وجهه وبقايا الآثار التيخلفها عمله الأصلي كانت تشي بأنه بحارقديم ، مات أصدقاؤه وأحباؤه ولم يعقب ذريةكما يبدو.. تبدل العصر من حوله وبقي هو وحيدا يصارع وقدةالوحدة ويتأمل الأمواجالتي كان يركبها ذات يوم متحدياالأهوال.
فيما سبق من السنواتكان المغيبيجدمن يستمع لحكاياته عن مغامرات السفن في أعالي البحار قرب سواحلأفريقياو"كيرالا" والعواصف والطوفان.. وقصص الغرقى والقراصنة ..وكان يردد دائما فيزهو: أنا الناجي الوحيد من طوفان "مصيرة" .. رأيت أحبائييغرقون..(المحمل) كله توارى فيثوان إنها إرادة الله.. وعندما كان يحس من جلسائه الشككان لا يتوانى عن الحلفبأغلظ الأيمان على صدقه : والله العظيم ما كذبت .. البحرعدو في ثوب صديق .
لم يعد الناس اليوم يهتمون بقصصهلم يعد لديهم وقت لعجوز مثله يسعلأكثر من سبعين مرة في الدقيقة ..تركوه .. انصرفواعنه ..ففضّل الاختلاء بهموم شيخوختهعلى هذه الصخرة ، يأوي إليها فيقعد ناظرا صوبالبحر وأمواجه .. وطيور النورس تحيطبه وكأنها تبادله الحديث.. أتراه يشتكي إليهاما أصبح يلاقيه منا من إعراض؟..أتراهيحسبنا أهملناه كسقط المتاع؟..
كثيرا ما كنت أراه يحاور نفسهمؤديا بيديه حركات غريبة تشبه تلكالتي يستخدمها أمثاله من كبار السن في محاورةمحدثيهم. الفرق انه كان يحادث البحروالساحل والنوارس والسماء ..وهي في نظره بلا شكأفضل من بني البشر ؛ لأنه لا ترفضالاستماع لحكاياته وأحزانه.
اقتربت منه ذات يوم علّه يحدثنيففاجأتني نظراته النارية الغاضبة منغريب افسد عليها متعة النظر إلى زرقة البحروبياض النورس ثم ما لبثت يداه أن حلتا محل العينين فيإبداء الانزعاج ؛ فأسرعتبالابتعاد ؛ لكني لم اغفل عن متابعته خلسة من سطح بيتيالذي كان لحسن الحظ قريبا منذلك الجرف الصخري .
وكان من عادة العجوز أن يأتي إلىتلك الصخرة صباح كل يوم فيجلس علىالظهيرة ثم ينصرف فلا يعود إلا مع الأصيل ليركن إلى صخرته يبادلها أشواقه و حكاياهويظل كذلك إلى أن تظلم السماء فينسحب في هدوء ..حافرابعصاه حفرا صغيرة في الرمال.
كثر الكلام عن شخصه .. فهو غريب عنالبلدة وليس من أهلها..الشيخ جمعةرشيد الحارة رجح أنه عسكري البرج الذي اختفى منذثلاثين عاما في ظروف غامضة. وربيعةمعلمة القرآن رأت انه قد يكون عبدا مباركا منأولياء الله الصالحين..أما حماديهمختن الصبيان فكان منرأيه أنه خادم أحدالسادة الكبار وقد فر من بيت الموالي قبل عشراتالسنين.
لم يكن أحد يعرفحقيقته على وجهالدقة ولذلك لقبوه بالمغيّب .الأطفال كانوا يخافونهوينسجون حوله القصص فمن قائلأنه ثقف يأكل أشواك الأشجار .. ومن قائل أنه يركب ضبعةفي الليالي التي يختفي فيهاالقمر ويتوارى عن الأنظار ..وقد أقسم (علّوي المجينينة) أنه رآه طائرا على جناح نسرعظيم ذات ليلة فوق البحر.
وفي يوم من أيام يناير/ كانونالثاني الباردة لمحت العجوز المغيّبعلى صخرته الأثيرة وقد لف جسده بعباءة باليةيتقي بها برودة الطقس وكان سعاله المتواصل يتهادى إلىأذني فأشفق عليه ..وأعجب منإصراره على البقاء معرضا نفسه لنسائم البحر القاسية ..بقي العجوز كعادته ملتصقابتلك الصخرة حتى اسودّت السماء فحال بيني وبين رؤيتهظلام حالك وما كنت أشك فيعودته إلى مخدعه كما اعتاد كل ليلة .. إلا أن الحقيقةالتي عرفتها بعد ذلك أنه بقيليلته تلك هناك لم يبرح صخرته قط رغم أن عاصفة ينايريةهوجاء هبت ليلتها وكانت قوةالريح من الشدة بحيث أثارت زوبعة بحرية أطاحت ببعضالأشجار المعمرة وأمطرت السماءليلتها كما لم تمطر من قبل .
في غبش الصباح التالي خرجت أتمشىصوب الجرف الصخري ..وآثار مطر البارحةلا تزال واضحة من حولي .وعندما اقتربت منصخرة العجوز وجدتها متشظية وبقربها بقايا عباءة وعصا .. بينما الأمواج تتلاحقوالنوارس تطير.
تمت

لـ القاص : سمير العريمي

 

عائشه المعمري غير متصل   رد مع اقتباس