منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ضوء ٌ فوق النقطه !
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-17-2011, 04:16 AM   #2
سعيد الموسى
مشرف أبعاد الشعر الشعبي

افتراضي




[ تجدُّدُ موسيقا الشِّعْرِ العربيِّ الحديث بين التفعيلة والإيقاع ]
دراسة يقدّمها الدكتور / مصطفى عراقي .

*
ـــ
*

تمهيد:

في بحثي هذا عن تجدد موسيقى الشعرالعربي الحديث أهدف إلى أمرين:
أولهما : محاولة الوقوف على أثر هذه الموسيقا في تطوير الشعر، وتجدد أشكاله وتعدد صوره. ، إيجابا(بتحققها) ، كما في :الموشحات والمخمسات والرباعيات ، والمواويل، والمزدوجات ،وصولا إلى الشعر الحر(التفعيلة)، و سلبا (بغيابها) كما في قصيدة النثر(الإيقاع).
والثاني : الكشف عن فاعلية هذه الموسيقا في بناء القصيدة ، وتشكيلها تشكيلا فنيا خاصا. بما يجعل من الموسيقا مدخلا للولوج إلى فهم البنية والدلالة.
ولهذا حاولت ألا أكتفي برصد صور التجديد وظواهره ، بل كنت أعنى بالكشف عن أسباب لجوء الشاعر إلى إيثار صورة ما للتعبير عن تجربته ، كما رأيت فيما أسميته ظاهرة الالتفات العروضي . وهو أن يبدأ الشاعر بنمط من أنماط الشعر أو بحر من البحور ، ثم يأخذ في غيره لدلالة يقصدها.
ووصف شعرٍما بأنه حديث وصف زمني لا يوحي بحكم قيمة فرب حديث أفضل من قديم ورب حديث في وقته يوصف بعد ذلك بالانحطاط ؛ فالشعر الذي كتب إبان عصور الانحطاط الأدبية كان في وقته حديثا !
لهذا صدرت البحث بكلمة ابن قتيبة المنصفة :
"ولم يَقصرِ اللهُ العلمَ ، والشعرَ، والبلاغةَ على زمنٍ دون زمن، ولا خصَّ بها قوماً دون قومٍ. بل جعل ذلك مشترَكاً مقسوماً بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديمٍ حديثاً في عصره ". (ابن قتيبة: الشعر والشعراء)
أما المراد بالحديث هنا وصفا للشعر فللدلالة على محاولات التجديد في الموسيقا الشعرية قبيل النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي حيث بدأ التجديد في القصيدة الحديثة يتجاوز المعاني والصور والأفكار إلى تجارب فنية تتصل بالتشيكل الموسيقي ، فبدأت محاولات الشعر المرسل و الشعر المنطلق والشعر الحر والشعر المنثور ، وصولا إلى قصيدة النثر أو قصيدة الإيقاع .
أما أهم اتجاهات التجديد ومدارسه في عصرنا الحديث فهي: مدرسة الإحياء، وجماعة الديوان، وجماعة أبولو ومدرسة المهجر، ثم جماعة مجلة شعر.
ثم عرفت موسيقا الشعر وبينت أهميتها من حيث هي عنصر واحد من عناصر بناء الشعريتضافر مع سائر العناصر في بناء النص الشعري وتشكيله.
وهي عنصر مهم كاشف عن جانب من جوانب أسرار البناء الفني .
وقد استعملت مصطلحات الموسيقا والوزن، والإيقاع وقد وصلت إلى معادلة يمكن تصويرها على النحو التالي:
الموسيقا الشعرية = الوزن + الإيقاع
فالوزن وحده يعني النظم ، وهو إذا خلا من الإيقاع يقع في التنافر، والإيقاع وحده لا يحقق الموسيقا الشعرية بل هو عنصر من عناصرها ، يحقق الانسجام الذي يكون في الشعر كما يكون في النثر. هو خصيصة من خصائص الكلمة الفصيحة في النثر والشعر جميعا، كما يقول ابن أبي الإصبع : " وهو أن يأتي الكلام متحدرا كتحدر الماء المنسجم، سهولة سبك وعذوبة ألفاظ، حتى يكون للجملة من المنثور والبيت من الموزون وقع في النفوس وتأثير في القلوب ما ليس لغيره"(تحرير التحبير : 480)
أما مناقشتي لبدائل التفعيلة في تصوير الوزن فقد كانت في إطار علم العوض، أعني في إطار تصوير أوزان القصيدة العربية الأصيلة، ولم تكن على مستوى الإبداع ، ولهذا صرحت بأن حواري في هذا البحث لم يكن مع المبدعين فللمبدع ما كان مبدعا أن يختار ما يناسب تجاربه ورؤاه ، ولكن كان نقاشي مع علماء الموسيقا الشعرية من جهة ، ومع نقاد قصيدة النثر المنافحين عنها من جهة أخرى.
أما عن ترجيحي لاتخاذ التفعيلة أساسا لتصوير الوزن العروضي للقصيدة العربية فمبني على إدراك اتساقها مع طبيعة اللغة العربية ذاتها بصفتها لغة اشتقاقية. ثم لدقتها وموضوعيتها في هذا التصوير ، فلا يختلف اثنان في التعبير عن صورة الوزن إذا هما لجأا إلى التفعيلة بينما إذا لجأ نفر إلى اتخاذ غيرها كالنبر أو المقاطع وجدت بينهم اختلافا كثيرا.
وليس ترجيحي للتفعيلة نفيا لاستعمال غيرها من الوسائل الصوتية معها ، بل أرى أهمية الاستئناس بتلك الوسائل على ألا تكون بديلا للتفعيلة بل مساعدا لها، للوقوف على أسرار موسيقا الشعر.
وليس نقدي لبعض مقولات نقاد هذه القصيدة الجديدة رفضا لها بل هو نقاش معهم يهدف إلى محاولة تحرير المفاهيم النظرية حولها، ومنها مفهوم مبدأ التعويض. الذي احتل مكانة كبيرة لديهم.
وقد رأيت أن مفهوم التعويض لدى نقاد قصيدة النثر (الإيقاع)
وقد أفرزت هذه المدارس أنماطا عدة بقي منها في المشهد الشعري ثلاثة أنماط ما يزال لها مبدعوها ونقادها والمتذوقون لها وربما وصل الإعجاب بأحدها إلى درجة التعصب ورفض ما عداها، وهي:
أولا: الشعر الأصيل: وهو المحافظ على الشكل الموسيقي للقصيدة العربية القديمة مع التجديد في إطارها من حيث ابتكارصور جديدة ، والتنويع في نظام التقفية .
ويطلق عليه كثيرون تسميات غير منهجية مثل:
• الشعر التقليدي: وهي تسمية توحي الانتقاص إذ تنسبه إلى التقليد ، وسوف ترى أن كل نمط يبدأ جديدا وينتهي إلى التقليد في الشكل. فمن الظلم ان يسمى تقليديا .
• الشعر الخليلي: وهي أيضا تسمية خاطئة ، لأن هذا الشعر موجود من قبل الخليل كما عبر الشاعر:
قد كان شعر الورى صحيحا من قبل أن يخلق الخليل
ومن المعروف أن العلماء زادوا على الخليل بحرا مشهورا هو المتدارك ، كما زادوا صورا عروضية مبتكرة عما قرروا الخليل كل هذا في إطار هذا الشعر. فعلم العروض من أكثر العلوم قابلية للتجديد والتطوير منذ نشأته.
• الشعر العمودي أو (العامودي) : أطلقوا هذا الاسم ظانين أن العمود مرتبط بالشكل العروضي وهو خطأ؛ لأن عمود الشعر مرتبط بالمعنى واللفظ والتحام البناء في الأساس .
• شعر الشطرين : وهي كذلك تسمية غير دقيقة لأن من هذا الشعر شعرا يُؤلف على شطر واحد كالشعر الجاري على المشطور والمنهوك من البحور.
• شعر البيت: وأرى أنها تسمية مقبولة من حيث الوزن ؛ لأنه من الممكن النظر إلى البيت بصفته وحدة موسيقية تمثل معظم الخصائص الموسيقية للقصيدة، أما إذا كان المراد بها أن البيت وحدة القصيدة بعامة فهي مرفوضة ، فالقصيدة العربية القديمة وحدة واحدة كما يوضح عبد القاهر قائلا: "ولكن البيت إذا قطع عن القطعة كان كالكعاب تفرد عن الأتراب، فيظهر فيها ذل الاغتراب". (أسرار البلاغة : 206)
فبان من هذا وغيره من نصوص التراث خطأ أن يكون البيت وحدة القصيدة.
على أن ليس في تسميته بالأصيل انتقاص لغيره من الأنواع المبتكرة، فهذه الأشكال إنما هي فروع عنه، دون أن يلغي احدهما الآخر.
ثانيا: الشعر الحر:
وقد شاع هذا المصطلح رغم عدم دقته ، بل برغم ظلمه له ولأصحابه حتى اتهمه معادوه بأنه متحرر من الوزن والقافية ، وسموه أيضا بأنه شعر سائب، مما جعل شاعرا منهم كصلاح عبد الصبورأن يقسم لهم : "موزون والله العظيم".
ولكن أدرك الدرس العروضي والنقدي خطأ هذا المصطلح في التعبير عن المراد به، فذهب إلى تسميته بشعر التفعيلة.
وقد بان من البحث أن شعر التفعيلة وفق توفيقا واضحا في تفجير الطاقات الموسيقية التراثية في القصيدة مدركين قيمة التفعيلة والقافية في تشكيل القصيدة تشكيلا موسيقيا موحيا .
ثالثا: قصيدة النثر: وقد وقف كثير من الرافضين لها عند التناقض الظاهر في المصطلح وقد دعوت هنا إلى تجاوز الجدل حول هذا الأمر لأنه من الممكن النظر إليه على أنه تقييد للقصيدة بأنها نثر ، كما في مصطلح (اسم الفعل) لدى النحاة لقسم من أقسام الكلم في العربية ، وهو ليس متناقضا.
وحتى لو سلمنا بعدم دقة المصطلح فقد كان مصطلح الشعر الحر غير دقيق وبالرغم من هذا نجح هذا اللون من الشعر نجاحا كبيرا .
على أن من الدارسين من حاول إيجاد مصطلحات بديلة ، أرى أقربها إلى الاشتقاق والدلالة مصطلح (النثيرة) ويجمع على نثائر؛ فهو أفضل من تسميات مقترحة مثل: النسيقة، والعصيدة ، وكلها بعيدة عن الدلالة على هذا النمط ، ولا سيما مصطلح : النثعيرة التي يأبها الاشتقاق . ويمجها الذوق.
ومن التسميات تسمية الشاعرعز الدين المناصرة لها بأنها القصيدة الخنثى . وأنا أرفض مثل هذه التسميات لأنها غير موضوعية.
وقد استعملت في البحث مصطلح (قصيدة الإيقاع ) في مقابل (قصيدة التفعيلة) على فرض أن هذه القصيدة قد تخلت عن التفعيلة ولجأت إلى الإيقاع، وقد ناقشت هذا الفرض.
والإيقاع يختلف عن الموسيقا فهو جزء من كل ، وليس تحقق الإيقاع في قصيدة النثر تعويضا عن الموسيقا الغائبة فقد أكد كثير من الباحثين أن الإيقاع يكون في النثر كما يكون في الشعر.
وقد حاول نقاد هذه القصيدة البحث عن أسباب هذا الإيقاع ورصدها، والتقنين له من خلال طرح التساؤل:
لقد وفق الخليل في رصد موسيقا الشعر العربي ، ونجح ابن سناء الملك في كشف القوانين الموسيقية للموشحات ، واهتدت نازك الملائكة فلماذا لا يأتي مكتشف لإيقاعات قصيدة النثر فيعمل لها ما عمله الخليل وابن سناء ونازك.
وأرى أن مهمة هذا المكتشف المنتظر صعبة إن لم تكن مستحيلة؛ لأن الذي ساعد هؤلاء السابقين أنهم تعاملوا مع أشكال لها موسيقاها رغم تنوعها. أما قصيدة النثر فما تزال تبحث عن إيقاعها المرتجى . ومن يدري ربما وصلت إليه يوما فلا تضطر نقادها إلى تكلف القول في بدائل غير مجدية.
لم يكن نقاشي هنا مع شعراء قصيدة النثر؛ لأن للمبدع - ما كان مبدعا - أن يختار النمط الذي يناسب تجربته ورؤياه ، وإنما كان حواري مع نفر من نقاد هذه القصيدة يفتعلون خصومة بينها وبين الأنماط الأخرى ، كما لاحظت في خطاب الناقد الكبير صلاح فضل الذي يتحدث عنها بلغة ثورية حربية، مع ان هذه الخصومة ليست حاضرة في أذهان كثيرين من مبدعي قصيدة النثر، مثل نزيه أبو عفش الذي يبدع أيضا في قصيدة التفعيلة ، ومثل الشاعر عماد الغزالي الذي عاد إلى النبع في ديوانه "لا تجرح الأبيض"
وبعد فأرجو أن تكون كلمتي تلك التي أثارتها شجون موسيقا الشعر وتجددها وتجلياتها حضورا وغيابا ، وأن تكون دعوة لنبذ التعصب، ومحاولة التعايش الإيجابي بين الأنماط الثلاثة ولنذكر أن شعر التفعيلة لم يلغ الشعر الأصيل بل تعايشا معا تعايشا أفاد كليهما. وما زالا حاضرين في المشهد الشعري ولن يضيرهما أن تنجح قصيدة النثر في اتخاذ مكان لها في المشهد الشعري معهما، بل لا ضير للثلاثة في أن يصدر شكل رابع جديد ؛ لأننا لا بد أن ندرك أن قصيدة النثر ليست نهاية التاريخ الأدبي.

 

التوقيع


____

إما نجي : فوق الغمام
والا - بلاش من الكلام !
-
snap:alskab1

سعيد الموسى غير متصل   رد مع اقتباس