منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - عبد الوهاب البياتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-03-2006, 10:36 PM   #2
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 25

سلطان ربيع غير متواجد حاليا

افتراضي




بقلم : طاهر تونسي :


مر عامان على رحيل الشاعر عبد الوهاب البياتي بعد حياة قلقة طوف فيها في كثير من البلدان ابتداء من مولده وانتهاء بوفاته بدمشق التي شدا كثيراً بها في سفره ودفنه بها. كان عبد الوهاب البياتي في ترحاله يبحث عن ينبوع الحياة الحقيقي كما كان يقول. وقد كان الأستاذ البياتي أحد أهم الأهرامات الشعرية الحديثة من أمثال بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وغيرهم.
وقد استطاع الشاعر عبد الوهاب البياتي أن يشكل لغة شعرية متميزة عائداً بالكلمات والمفردات إلى أصولها الحجرية وروحها القديم. كما استطاع هذا الشاعر أن يتعامل مع الأسطورة والتراث والزمن والمدينة تعاملاً جديداً بالإضافة إلى تجديده في الشكل الشعري.
بالقرب من مسجد الشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد ولد شاعرنا بعد الحرب العالمية الأولى فدرس ببغداد حتى نال شهادة الثانوية عام 1944م وفي أثناء دراسته للثانوية قرأ الشاعر شعر المتنبي والمعرى وأبي نواس وأبي تمام والبحتري وغيرهم وفي عام 1944م التحق الشاب عبد الوهاب البياتي بكلية دار المعلمين العليا وتخرج فيها حاملاً الشهادة الجامعية في اللغة العربية وآدابها وأصدر في هذه الفترة ديوانه الأول الذي لم ير اهتماما يذكر من النقاد آنذاك وهو ديوان ملائكة وشياطين.
ثم أصدر ديوانه الثاني عام 1954م والذي أحدث هزة منقطعة النظير في جميع الأوساط الأدبية. فلم تبق مطبوعة أدبية كبيرة إلا وقد تحدثت عن ديوانه "أباريق مهشمه" من قصائد الديوان قصيدة "مسافر بلا حقائب" والتي يقول فيها:
من لا مكان
لا وجه، لا تاريخ لي من لا مكان
تحت السماء وفي عويل الريح أسمعها تناديني تعال
لا وجه لا تاريخ أسمعها تناديني تعال
عبر التلال.. مستنقع التاريخ يعبره رجال
عدد الرمال
والأرض مازالت ومازال الرجال
يلهو بهم عبث الظلال
وأنا..وآلاف السنين.. متثائب ضجر حزين
من لا مكان.. تحت السماء
في داخلي نفسي تموت بلا رجاء"
وكان من أوائل من درسوا شعر عبد الوهاب البياتي الناقد الشهير إحسان عباس الذي ألف كتابا عن الشاعر الشاب البياتي وهو في الثلاثين من عمره وقامت معركة العدوان الثلاثي على مصر فأصدر البياتي ديوانه "المجد للأطفال والزيتون" مرسلاً صوته الشجي في محاربة الاستعمار.
وفي عام 1958م أصبح الأستاذ عبد الوهاب البياتي مديراً للتأليف والترجمة والنشر بوزارة المعارف. وفي عام 1963 أقام بقاهرة المعز حيث أصدر في الستينيات "شعر الفقر والثورة" و"أشعار في المنفى" وديوانه "الذي يأتي ولا يأتي".
والديوان الأخير "الذي يأتي ولا يأتي" هو عبارة عن سيرة شعرية للشاعر عمر الخيام. ولكن المتأمل للقصائد يجد أن البياتي إنما ترجم لنفسه ورؤيته الذاتية للحياة ومن قصائد ديوانه قول البياتي:
القمر الأعمى ببطن الحوت
وأنت في الغربة لا تحيا ولا تموت
نار المجوس انطفأت.. فأوقد الفانوس
وابحث عن الفراشة
لعلها تطير في هذا الظلام الأخضر المسحور
وأشرب ظلام النور.. وحطم الزجاجة
فهذه الليلة لن تعود
واستمر الشاعر عبد الوهاب البياتي يرسل الديوان تلو الديوان حتى مات بدمشق التي أحبها بعد أن نيف على السبعين. يقول الأستاذ عبد الوهاب البياتي عن تجربته الشعرية "كانت أغاني الفلاحين والحكايات المنتشرة في الريف هي زادي الشعري الأول. وكان طرفة بن العبد وأبو نواس والمعرى والمتنبي والشريف الرضى هم أكبر من أثر في من الشعراء العرب. لقد وجدت عندهم نوعا من التمرد، والبحث عن أشياء لا يوفرها واقعهم أو مجتمعهم أو ثقافتهم لقد عانى هؤلاء محنة الوجود الحقيقية، وعبروا عن أنفسهم بأصواتهم الذاتية لا بأصوات غيرهم. ورغم هذا فقد انتابني إزاءهم نوع من القلق حيثما تبينت أن لغتهم كانت مصنوعة، كانت الأشياء التي يصفونها مرجوه قبل وجودهم. وأن كلماتهم كانت تفقد حضورها في نفسي وتتحول إلى دلالات فقدت عندهم الكثير من أصالتها وأنهم انطفأوا على أسوار عصرهم عاجزين عن تخطي رؤياه وإمكانياته فالشكل الذي أمدتهم به ثقافتهم الشعرية وتراثهم الشعرة شكل مصبوب منسق خلفته رؤى واحتياجات ومفاهيم وجدانية وفكرية وموسيقى معينة وفي نفس الوقت الذي فتنتني فيه قدرتهم على تخطي واقعهم الاجتماعي والتعبير عن شحناتهم الوجدانية المتوفرة أحسست أن الشكل الذي لم يستطيعوا تجاوزه كان قيدا على رؤاهم وعواطفهم المتمردة.
وقد شهدت تجربة البياتي تصاعدا فنيا وفلسفيا فكان كل ديوان يمثل تطورا في رؤيته كما قال عن نفسه في قصيدة الموتى لا ينامون:
في سنوات الموت والغربة والترحال
كبرت يا خيام
وكبرت من حولك الغابة والأشجار
شعرك شاب والتجاعيد على وجهك والأحلام
ماتت على سور الليالي، مات أورفيوس
ومات في داخلك النهر الذي أرضع نيسابور
وحمل الأعشاب والزوارق الصغيرة
إلى البحار، حمل البذور
وعربات النور.. إلى عز الطفولة
فلا غرو أن تقوم الهيئات الأدبية في معظم أنحاء العالم بترجمة روائيه وكيف لا يستعذب قراء الأدب في العالم الاستماع إلى صوت يجسد عذاب الإنسان في هذا الزمان.

 

التوقيع

[OVERLINE]"عمر الرجل كما يشعر، وعمر المرأة كما تبدو "

مثل فرنسي
[/OVERLINE]

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس