ما أَجمل أَن تستيقِظَ صَباحاً على صوتِ محمد صديق المنشاوي ، يالله له صوتٌ لا يبرحُ مُخيلتي حتى و إن أَطفأَتُ الجهاز ! أُكمل معه التلاوة حَتى و إِن كُنتُ للتو مستيقِظة من نومي و أَنسى ذِكر النشور و النهوضِ من المضجع !
أعيش معه جو آيات الكلمة الطَيبة و الأخرى الخبيثة فو اللهِ لا أَصدقُ و لا أجلى منها حين أَسمعُها منه .
صوتهُ عالقٌ بالذاكرة اﻷولى مذ كنا صغاراً ، إذ تستيقظُ أُمي لصلاةِ الفجر ثم تض...بطُ جهاز المذياع على قناة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية هذا إن لم يكن مؤشر المذياعِ مثبتٌ عليها على الدوام ،
و حالما توقظِنا للصلاة فالمدرسة يكون صوتُه أول اﻷصواتِ الـ تخترق مسامعنا بعد صوتِ أُمي !
صوتُه لا زال يُحيى فيّ الحنين للماضي ، للصباحاتِ التي أصحو فيها بتثاقل و ألعن فيها المدرسَة و كُل شيء يتعلق بها و الدقائق الـ أختلسها للنوم قبل أن تُعيد أُمي الكرة فتوقظنا بعصبية . هههه ، أما دورة المياه في أَيام البرد فحكاية أخرى ، كنت أملأُ الحوض للمنتصف بالماء الدافئ و أُغرق ذراعيّ حتى منتصَفهما و أَغفو واقفة حتى إذا ما ارتابت أُمي ضَربت الباب مناديةً إياي فأصحو فزعة و أغسل وَجهي دون تفريش أسناني و أخرج ، و لكم أديت صلاة الفجر بلا وضوء و أَحياناً أغفو فيها أيضاً هههه ! يا الله ، أَما تعودُ تلكَ اﻷيام .
كنتُ و راشد و أخي اﻷكبر نقتسم الغُرفة ذاتها كُلما أيقظت أُمي أحدنا حولناها للآخر و النهاية الحتمية تقع على اﻷضعف حتماً ، إما أنا أو راشد . و ﻷن دورة المياه بعدهم تُصبح مزبلة ، معجون اﻷسنان مفرغ على اﻷرض أو الجدار و كأنهم يفرشون أسنانها أيضاً ، أحدهما نسي أن يشد حبل المرحاض و اﻷخر نسي النعل في منتصف دورة المياه ، و الكثير من القررف ههههه نضج عقلي الصغير و فطن أن المستيقظِ اﻷول هو اﻷفضل ، فأصبحتُ أُسرع في النهوض .
كنتُ و راشِد نقطع المسافة إلى المَدرسة معاً ، شغبنا الطفولي و صخب ضحكاتنا الطفولية كانت اﻷجمل في حياتي . مغامراتنا كانت مممم [ رهيبة ] هههه ، و حمايته لي ، مرورنا عبر اﻷزقة و الحارات ، رائحة السمبوسة الـ تنبعث صباحاً من دكان صغير بالقرب من مدرستينا المتواجهتين !
طُرق العودة كانت هي اﻷكثر ابهاجاً ، نعبث باللوائح و نقطع اﻷزهار الرديئة المزروعة على جنبي الطريق و نحضرها ﻷمي تعبيراً عن حبنا فتضحك ، كم كنا أبرياء .
نستحضر الدروس معاً ، نأكل معاً ، نضحك معاً ، نبكي معاً بعد مغامرة يصاب بعدها أبي بنوبة غضب فيخبئ كل منا صاحبه لئلا يأكل علقة ساخنة، و ننام في التوقيت ذاته و نحن نستعيد مغامرات يومنا ! آه ، و الزمن يمضي و تفصلني اﻵن عن راشد أربع سنواتٍ و نصف ، و كلما كبرتُ إتسعت الفجوة و لكن حتماً لن تزداد الجفوة !
ياربِ هل حضّر صوتُ المنشاوي طقوسَ الذاكرة هذه كلها في نفسي اﻵن !
أوه ، إنّها الجمعة .
جمعني الله براشد في جناتِ النعيم
كما جمعني به و بكم على هذه اﻷرض الفانية !
جمعتكم مﻵى برضوانِ الله و رحمته !