منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - تعاويذٌ معقودة بخيطٍ أَسود
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-2012, 07:48 PM   #1
هيفاء العيد
( كاتبة )

الصورة الرمزية هيفاء العيد

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 17

هيفاء العيد غير متواجد حاليا

افتراضي تعاويذٌ معقودة بخيطٍ أَسود


.



لا أدري إن كانَ عليَّ أن أشعرَ بشيءٍ كي أكتب ،


أنا لا أشعرُ ، أنا فقط أفكّرُ في الأشياء الضّائعة التي تَبكيني


الأشياء التي أصبحتْ قادرةً على إصابتي بالهلع منّي ،


وأولئك الذين باتوا يموتون في قلبي موتاً بارداً دون أن يثيروا شفقتي ، وأنا ،


أنا التي لم تعد تشعرُ بالحَرَج من إعلان موتهم في تحدٍّ غير مُـبرَّر .!


وصوتي الذي يخبئُ فجيعةً ، سنينَ طويلة ، كيف لم يتسمّم بها .؟!



مَمْـلوءةٌ بالغياب عن آخِري ، مهزومةٌ من حُضوري الباهت


مقتنعةٌ بأن الآخر هو من جذبَني إلى الغياب وهو الآن يعودُ وحيداً خاسرا.!



لم أعد أشتهي البقاء ، ولم أعد أحزن على العمرِ الذي مضى دون أن يجعلَ مني امرأةً ناضجةً جداً ،


تعانقُ طينَ جسدها ولا تتَّسخ ، تلوّح للأسوار العالية بيدٍ من سخرية ، وتقف في وجه الرغبة بسموّ


السماوات السبع.!



وحدي أدركُ أن التمسّك بالحضور يجرُّ إلى ويلاتِ الاختناق المُـرّ


ويدفعُ للاستئناس بحكايا لصوص الليل وقُـطّاع الصّدق .


ويجعلني مسكونة بشيء لا أعرفُـه لكنّه يقلقُـني !



وحدي أدركُ أنّي وطنٌ لا يتسع لي ، وأنّي مجبرةُ دائماً على النزوح بحزني وآلامي إلى امرأة غريبة لا أعرفُها !



وحدي أشتاقُ وأشتاق ، إلى امرأةٍ تشبهني ، تسعفُني بوجهٍ برئ لازال يتعلّم كيف يخبئ حلمَه السرّي بدمعٍ أبيض.!


امرأة لا ترى ولا تسمعُ أشياءَ غير عادية ، لم يطالها بطشُ الجوع ولا حرائقُ الحاجة .!



امرأة تبكي لأن البكاءَ بلل ، وتؤمنُ بعقيدة العناق ومواصلة فعل الحب دون أن تدمي أصابعَها بالطَّرْق.!



وحدي أحفظُ سرَّ الشتاء وارتعاد ستائرٍ بيضاء سكنَتْ عمراً طويلا ،


وسرّ شفاهٍ دافئة سلّمتها في ليلة عذراء خارطةً بطول عُـنُـقي .!



وحدي لستُ وفيّة لعصفورٍ محروق الجناح يُـناجيني من خلف القُـضبان حزينا


لكنّي أَبكيه ، وحدي أَبكيه ، وكأنّي أحزنُ لأول مرة ، كأنّي أشفقُ لأول مرة ، كأنّي


أشتاقُ لعناقٍ يمتدُّ بطول رجاءات الأرضِ لربٍّ رحيم .!!




يا الله ، كم مضى منّي وأنا متضخّمة بكلامٍ عميق الطعن لم أقلْه ،


بقلبٍ وَجِلٍ ألزمَـني فِـراشَ التردّد طويلا ،


وضميرٍ يلكزُ التأنيبَ معاتباً جسوراً دون أن يقطعَ وريدَ الأسئلة .؟!



كم مضى منّي وأنا صوتٌ يُـذكي نار الحرف بريحِ شيطانٍ ترتعش لها أبواب العابرين لذّة .؟


كم مضى منّي وأنا أغصُّ بي قصّةً تتكررُ بشهيّة اعترافٍ أخيرٍ أرعن .؟


كم مضى منّي وأنا ككلِّ نساء القبيلة ، أقضي عمري وأنا أقرأ تعاويذَ أمانٍ على عورة عِـرْقِ الحسَب والنَّـسب المتشنّج .؟



كم مضى منّي وأنا لا أعودُ إليك يا الله .؟



* * *


إليكَ يا مكتوياً بجمر المسافاتِ الضّاربةِ في ظلمة اليأس


إليكَ يا عهد الله الذي لا أقوى على عبورِ الضوء وهو في صدري


إليكَ بعدما شحّتْ ليالي الشتاء من دفء حضنك المُـشتهى


إليك بعدما أمسى اليقينُ شكّاً والحزنُ حزناً يعلوه حزن



إليكَ لا أكتب


فأنا لم أعد أنا ، أنا أخرى لا تعرفُها



أنا ليلةٌ باردة طويلة ، طويلة ، أشبعَـني البردُ موتاً حتى لم أعد قادرة على فعل الاشتياق


ولا على البقاء قيد الصّوت كما السابق .!



أنا عُـنـقُ صوتي المشنوقُ على غصنِ البكاء ، أذرفُ الحنينَ لغةً رديئة اشتهاءً لسُكنى عذاب .



أنا شَـاهِـدُ قبر قصائدي القديمة الـ كتبتُها على نهدٍ أبيض ، بأصابعَ ناعمةٍ غضّة،


حين كنت لا أجيدُ ابتلاع غصص الحياة .!



أنا أفكاري الخائنة الهدّامة التي تفردُ ساقيها كل مساء بفسقٍ حزينٍ على طاولة الفراغ .!



أنا اللاسبيل للعابرين ، ومدى الخراب الذي يعمرُ قلوبَهم الفارغة ،


أنحرُ عنقَ الملل بسكّين الغرابة كلما ركنتُ لسوئي ،


واستغفرُ الحزنَ ثلاثاً كلما استقمتُ على خطى البياض .



خائفةٌ منّي ، مرتابة


أنحتُ من لحمي امرأةَ قبحٍ ثائرةٍ في وجه الطُّهر .!


أفتحُ كل مساء قَـنَـاني الملح في عيونِ ورقٍ عابث، وأفردُ شعري الطويل الأسمر مَعبَراً للفتنة .!



خراباتٌ ممتدّةٌ على الورقِ أنا ، أتلقّـاني وحدي كـ كارثةٍ غير طبيعية


أمتهنُ الّلاعودة ككل الأشياء التي لا تعودُ لوطنها بعد ضياعها .




لن أعود ، لن أعودَ لكتابة الرسائل الطويلة كنفَسِ غيابك ، العميقة كـ قُبلة وداعك ، الملحَّة كصوت الجوع بي .



لا أريدُ أن أكتبَ والحروف تُهمةُ الانتهاك ، وواقع البشاعة ، ولغة امرأةٍ سافلة، وتصفيق رجلٍ لا يشبع، ووطن لا أعرف الطريق إليه .!





أتساءلُ بحنق كلّ نهار / أيُّ وطنٍ ذاك الذي يزاولُـني كعملٍ شاقًّ محرجٍ غير مباح .؟


يوثّقني بقيود البقاء بعيداً عن النور ، ويبحثُ في صوتي عن سكّينٍ يزرعُه في صدور الآمنين السذّج .!



أيُّ مستقبلٍ ذاك الذي يُـلقيني بقسوةٍ في أزقّة الرحيل ، وعلى عتباتِ المطارات في حالةٍ من الانسحاقِ المُـرّ.؟



أيُّ نصوصٍ مشوّهة تلك التي أُرسمُها كـ قَـيْـحٍ يتفتّقُ على صدر الورق ،


كـ حزنٍ مهيبٍ لا يليقُ إلا بامرأة بيضاء أنجبَها بؤسٌ أسود ، تسترُ عن عينِ حالها محاسنَها، وتكشفُ لعيون العابرين بشاعةَ أصابعها.؟!




كـ دائماً تموتُ كلُّ هذه الأسئلة حين يأتي الشتاءُ على غفلة


فيعيدُ الحنينَ إلى الوسائد الدافئة التي انتزعها الغيابُ على غفلة أيضاً .!


يأتي غريقاً بالصمت ، غير مبالٍ بتوصيات العودة


يأتي بمزيدٍ من الغربة ، وبحبٍّ بصيغة الفقد .


يخلقُ سَفَـراً لا ينتهي ، لمدنٍ لا تشبهُ مدينتي النائمة


ويُـؤرّخُ للبُـعدِ جُـروحاً لا تنام .!



.

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

هيفاء العيد غير متصل   رد مع اقتباس