منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - في أدب الحياة !
الموضوع: في أدب الحياة !
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-30-2013, 12:14 PM   #1
علي آل علي
( كاتب )

افتراضي في أدب الحياة !


قرأت فيما قد قرأت كتابا بعنوان ( استجوابات غازي القصيبي ) بدا لي العنوان كأنه محكمة قضائية تدعو إلى جلسة حضور لوقائع محاكمة من نوع آخر، الطرف الأول هو المحقق بدوره والذي قام بالدور هو الإعلامي الشهير تركي الدخيل، أما الطرف الثاني المستجوب هو الدكتور غازي القصيبي – رحمه الله رحمة واسعة - .
أسئلة وأجوبة تدعو القارئ إلى قراءة المحتوى من بدايته حتى نهايته، إذ أن النقاش كان يدور حول الأدب بصفة عامة، وأدب الدكتور غازي بصفة خاصة، وحين الشروع بتقليب صفحاته سنجد المتعة وبراعة الأسلوب لكلا الطرفين، وما أن نصل إلى استشهاد الدكتور غازي بما قاله الإمام الشافعي – رحمهما الله – حتى نقف على ذلك قليلا لنجد فائدة عظيمة تفيد أي كاتب أو شاعر في مسيرته الأدبية.
أما ما قاله الإمام الشافعي والذي استشهد به الدكتور غازي فهو ( " الشعر كلام " فحسنه كحسن الكلام، وقبحه كقبيح الكلام ) حيث استطرد الدكتور بتفنيد ممتع ,وفيه:

- ( لقد فصّل الإمام وفرّع، مبيّنًا الشعر المرفوض الذي يثلم الأعراض- أي ما أحدث فيه ثلما أو شقا، كمن ثلم الإناء أو السيف أي كسر حرفه- أو يبالغ أحدهم في المديح الممجوج، وأعتقد أن هذا هو المنطق السليم).
وهنا أجدني أمام فائدة تخدم ما أتطرق إليه ضمن فوائد عدة، وتلك الفائدة تفيد بأن يبذل الأديب جهدا كبيرا باختيار كلماته قبل نشرها أمام الآخرين معبرا بها عما يجول في خاطره من كلام، فالكلام إن كان بلغة أو بلهجة ركيكة لا يستساغ، ولن يكون له الأثر البالغ عندما تكون أغراضه مدحا مبالغا أو ذما مغاليا، والاتزان هنا مطلب مهم جدا لكل أديب على كل المستويات والأصعدة.
الأدب فن مرهف، يؤدي بأغراضه إلى قوة التأثير في الأنفس، وأغراضه هنا لا تقترن بالشعر فقط، بل بمدارس، ولغات، وطرق مختلفة، نورد منها خطبة الجمعة، إذ يحرص الخطيب على اختيار الكلام المؤثر ليصل به إلى قلوب المصلين، ونورد منها أيضا الخطاب الرسمي وآليته التي يجب أن تؤدى بشكل سليم، لكي يتضح الغرض المراد إيصاله، ومن الطرق نورد أيضا الرسائل المرسلة بين الناس، والمصداقية الواجب توفرها فيها، ونماذج كثيرة نستخدمها في حياتنا اليومية.
خلاصة الحديث تندرج تحت ما يسمى بالأدب وما قد يفهم منه، إذ يظن الكثير بأنه منوط بالشعر أو بمادة نثرية عميقة المحتوى، وبهذا المفهوم انحصر الأدب ما بين متعة القراءة ومتعة الكتابة فقط، وهذا إقصاء لمفهومه العام، حيث أن الأدب لغة محاكية للحياة اليومية، بجميع عناصرها، ويستخدم في كل الميادين، حتى وإن كانت جلسة عابرة مع أصدقاء أو أقرباء، وحتى إن كان مع خاصة الأهل في البيت، بأدب الحديث وتأدب بمعاملة حسنة، وتحلم وأناة ، وحكمة قرار دائمة.
مصطلح ( أديب ) حينما يطلق على أحدهم فهذا يدل على حسن سريرته التي أوضحها عبر رسالته الأدبية ( شعرا كان أم نثرا ) فيصاحبه ضمن مسيرته الأدبية، ويسقط عنه إذا اتضح منه تعاليه على الآخرين، بما منَّ الله عليه من حسن بيان وسحر كلام، ويسقط أيضا إذا استخدم عباراته في أذيّة الآخرين بقصد أو بغير قصد، فمنزلة أديب ليست بالمنزلة السهلة التي ما أن يصل إليها حتى يحافظ عليها، قد يفقد ثقة الآخرين فيه، لأنه استهجن أحد الطرق والأساليب مستنصرا لذاته مبرزا فتوّته عبر كلماته، أو لأنه قد أنزل الآخر منزلا وضيعا مبررا هذا الصنيع منه بأنه رد اعتبار لإساءة قام بها الطرف الآخر، وهذا بحد ذاته كفيل بأن يجعل منزلته لا تقاس بمنزلة أديب، فمعالجة الإساءة لا تكون بإساءة أقبح منها، بل بخلق رفيع وتواضع فريد، لا يحسنه إلا من نبذ الغرور والكبرياء جانبا، وأجاد احتضان التواضع والمروءة.
قال الشاعر :
وإذا الفتى جمع المروءة والتُقى
................ وحوى مع الأدب الحياء فقد كمُل
سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة فقال: العقل يأمرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل.
يجب على الأديب عدم التباهي بأدبه، وقبل هذا يجب عليه السير على ما قد تعلمه والانتهاج بما قد ذكره في كلامه وكَتبَه في كتابه، فإذا كانَ هذا الأمر منه، فإنه لم ينتفع بأدبه وعلمه شيئا، وبالتالي كيف له أن ينفع الآخرين!
يقول ديقريطس: ينبغي أن تأخذ في العلوم بعد أن تنفي عن نفسك العيوب، وتعوّدها الفضائل، فإنك إن لم تفعل هذا لم تنتفع بشيء من علمك.
وفي هذا حكمة بالغة يسير عليها أي أديب حتى لا تسقط منزلته عند الآخرين.
يقول موفق الدين البغدادي: أوصيك ألا تأخذ العلوم من الكتب وحدها، وإن وثقت بنفسك من قوة الفهم، وينبغي أن تكثر اتهامك لنفسك، ولا تحسن الظن بها، وأن تعرض خواطرك على العلماء، وأن تطلع على تصنيفهم، وتتثبت ولا تتعجل.

 

علي آل علي غير متصل   رد مع اقتباس