منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - النَّصُّ والسِّيَاقُ دِرَاسَةٌ في "سَادَةِ اللَّحَظَاتِ" بقلم د. محمد الحسن
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-22-2013, 11:57 AM   #2
المنبر
المنبر

افتراضي


ويمكن أن نصنف شعر عبدالاله المالك ضمنَ منحيينِ قد تعايشا في شعره وهما:

1 ـ المنحى التجديديّ: وتمثله مجموعة من القصائد نسبتها 81% من نصوص الديوان منها: (البلد القفار، المهلهل، معارج الشهامة..)

2 ـ المنحى الحداثيّ: أو ما يفضل البعض تسميته الشّعر الحُرّ وليست الحداثة (النثريّة) ويمثل نسبة 19% من الديوان : (السفر المخبأ، جوهرة السر، إقامة لصلاةٍ في مئذنة البوح).
هذا مع تداخلٍ واضحٍ بين المنحيين في بناءِ النَّصِّ الواحدِ أحيانًا.

وقد تراوحت الصورة الشعريّة بين الجدّة والطرافة وبين النمطيّة أحيانًا أخرى، ومن الصور الشعريّة التي تمثل إلماعات إبداعيَّة دقيقة قوله في قصيدة (مِحْرَابُ قافِيَتِي):

مِحْرَابُ قافِيَتِي

هَذَا أَنا مِحْرَابُ قَافِيَتِيْ مَدًى

مِنْ كُلِّ فَجٍّ ذا العَنا يَأْتِيْنِي

لا صَمْتُ عُمْريْ يَحْتَويْنِيْ فِي الشَّقَا

زِيْدِي مِنَ التَّعَبِ المُمِلِّ سِنِيْني

سُلِّيْ سُيُوْفَكِ فِي مَدَارَاتِ الأَسَى

وَاسْقِيْ مِنَ الكَأْسِ المَرِيْرِ لُـحُوْنِي

العُمْرُ يَمْضِيْ فِي دَيَاجِيْرِ الرُّؤى

وَالْحَرْفُ يَرْفُضُ قَيْدَ مَدِّ شُجُوْنِي

مَنْ قَالَ إِنِّيْ هَائِمٌ لَزِمَ الْحِمَى

هَذِيْ تَبَارِيْحُ الهَوى تَرْويْنِي

هَذِيْ مَعَارِيْجُ الخَيَالِ تَمَايَلتْ

تَنْثَالُ مَا بَيْنَ الزُّهُوْرِ غُصُوْنِي

سَكَبَتْ رَحَيْقَ الشَّوْقِ فِي لَحَظاتِهَا

مُنْدَاحَةً لَمْ تَرْضَ بِالتَّسْكِيْنِ

صُوَرِيْ يُلامِسُ نَبْضُهَا رُوْحَ الْهَوى

أُفُقٌ تَرَاءَى فَوْقَ سَقْفِ جُنُوْنِي

هَمْسِيْ بُزُوْغُ النُّوْرِ فِيْ غَسَقِ الدُّجَى

قَمَرٌ تَسَامَى خَالِدَ التَّكْوِيْنِ

لِيْ فِي مَرَايَا العَرْشِ سِرٌّ فَاضِحٌ

فَتَلَذَّذِيْ فِيْ نَزْفِ بَوْحِ مُتُوْنِي

مُتَفَرِّدٌ كَالمَاءِ فِيْ خلْجَانِهِ

مُتَوَقِّدٌ فِي شَامِخَاتِ فُنُوْنِي

ارْمِيْ خُرَافَاتِ الذُّنُوْبِ طهَارةً

وَاسْتَرْسِلِي في نَبْعِ مَاءِ مَعِيْنِي

قُدِّيْ قَمِيْصِيْ لا عَلَيْكِ مِنَ الْوَرى

فَالشِّعْرُ يَرْفُلُ فِي المَدَى المَشْحُوْنِ

سُدِّيْ عُيُوْنَ الشَّمْسِ لا عَيْنٌ سِوَى

لُغَةٍ تُجَنِّحُ فِي رُؤَى المَفْتُوْنِ

تِيْهِيْ عَلى كَفِّ السَّحَابِ تَفنَّنِيْ

وتَأَلَّقِيْ فِي مَهْجَتِيْ وَعُيُوْنِي

لَمْ تُوْرقِ الأَغْصَانُ إلاَّ فِي نَدَى

مَاءٍ يُذِيْبُ المَاءَ وَسْطَ جُفُوْنِي

وغلب على الجانب الموسيقي في شعره استخدام البحور التي تخلق إيقاعًا واضحًا عبر تفعيلاتها المركبة: (الخفيف، الكامل، البسيط، الطويل، الوافر) و الأحاديّة (الرَّمل، المتقارب...).
يقول:
(البسيـــــــط)
الرَّاقصُونَ فيْ صَخبٍ

اضْربْ عَصَاكَ فَمَوْجُ الْبَحْرِ قَدْ وَثَبَا

وَاسْلُكْ طَرِيْقَكَ لاخَوْفًا وَلاهَرَبَا

وَكُنْ كَمَا شِئْتَ لا مَا شَاءَ سَادِنُهَا

وَاتْبَعْ لَهَا سَبَبًا تَلْقى بِهَا سَبَبَا

شَاخَتْ على تَعَبِ الأَيَّامِ رَاحِلَتِيْ

لَمْ أُبْق ِ مِنْ جَمَلِيْ رَأْسًا وَلا عَقِبَا

يَاحَادِيَ الْعِيْسِ والأَمْصَارُ مُقْفِرَةٌ

وَاللِّصُّ أَمْتِعَةَ الأَحْبَابِ قَدْ نَهَبَا

وَتِلْكَ خَيْلُ الفُتُوْحِ الْيَوْمَ صَائِمَةٌ

لَمَّا غَدَا مَنْ غَزَا يَوْمًا وَمَنْ رَكِبَا





2 ــ (الخفيف)

رِسَالةُ غَرَامٍ
أَيُّهَا المُنْتَشِي دَهَاكَ الغَرَامُ

فَتَمَهَّلْ إِنَّ الْعُيُوْنَ سِهَامُ

أَرْسَلتْهَا فِي غَفْلةٍ وَتَمَادَتْ

فِي دَلالٍ يرُوْمُهُ الْـمُسْتَهَامُ

يَا صَبَابَاتِ الوَجْدِ والتِّيْهِ غُنْجًا

يَا مَدَارَاتٍ قَدْ عَلاهَا هُيَامُ

لِهَوَاهَا صَبٌّ مُقِيْمٌ مَدَاهُ

يَرْتَضِيْهِ الْحُبُّ الْعَفِيْفُ لِزَامُ

يَرْتَمِي هَذا العِشْقُ فِي نَظَرَاتِهِ

كُلُّ شَوْقٍ قَدْ ضَاعَ فِيْهِ المُدَامُ

3 ـــ (الطويل)
حُسْنُ بَاريسٍ
وَمَا حُسْنُ بَاريْسٍ وَفَيْءُ المَصَايِفِ

بِأَجْمَلَ مِنْ عَيْنَيْكِ ذَاتِ الَّلَطَائِفِ

مَلَكْتِ حَيَاتِيْ وَ المَسَاءُ مُوَلَّهٌ

وَنَجْمُ الهَوَى يَرْنُو لِكُلِّ المَشَارفِ

حَبيْبيْ وَلا أنْسَاكَ مَهْمَا تبَاعَدَتْ

خُطانَا وَضَاقَ الَّليْلُ عَنْ كُلِّ عَازِفِ

فَهَذا الهَوَى أَضْنَى جُفُوْنِيْ فَلَمْ أَذُقْ

لَذيْذَ مَنَامٍ بعْدَ مَاضٍ وسَالِفِ

وَهَذَا الفَضَاءُ الرَّحْبُ دُوْنَكِ مُوْحِشٌ

بِهِ سَمَرُ العُشَّاقِ بَوْحُ العَوَاطِفِ

تَتُوْهُ القَوَافِي فِيْكِ وَالنَّجْمُ لائِحٌ

ويَخْجَلُ مِنْكِ البَدْرُ رُغْمَ التَّآلفِ

وتَخْجَلُ مِنْكَ الشَّمْسُ حِيْنَ طُلُوْعِهَا

وَيَصْدَحُ مِنْ عيْنَيْكَ لَحْنُ المَعَازِفِ

أَغَارُ مِنَ النَّسْمَاتِ أَنَّى تَقَارَبَتْ

وَأَنْتَ حَبِيْبِيْ رُغْمَ كُلِّ المَوَاقِفِ

سَأَعْشَقُهَا مَا عِشْتُ وَهْيَ حَبِيْبَتِيْ

وَأَغْرَقُ فِي أَهْدَابِهَا غَيْرُ خَائِفِ

أَهِيْمُ بِهِ وَجْدًا وَلَسْتُ أَمَلُّهُ

وَلَوْ حَالَتِ الْعُذَّالُ لَسْتُ بآنِفِ

أما البحور الأحاديّة فقد اخترنا هذا النموذج من المتقارب:

المَدَى الأَزْرَقُ
رُؤَاكِ وَهَذا المَدَى الأَزْرَقُ

يَلُوْحُ سَنَاهُ لِمَنْ يَعْشَقُ

ترَكْتُ وَرَائِيْ جَزائِرَ تِيْهٍ

تَرَاهَا عُيُوْنِي فَلا تَرْمُقُ

وَذَا سِنْدَبَادُ بَدَا مُغْرَمًا

وَثوْبُ الحِكَايةِ لا يَخْلَقُ

وَأَجْنِحَةُ الرِّيْحِ طَوْعَ يَدِيْ

وَخلْفِي دَيَاجيْرُهَا تَنْطِقُ

وَغَنَّيْتُ لِلْمَوْجِ حَتَّى انْتَشَى

قصَائِدَ سَارَ بِهَا المَشْرِقُ

وَسِرْتُ شمَالاً وَسِرْتُ جَنُوْبًا

فَأَصْغَى لَهَا الحُوْتُ إِذْ تُطْلَقُ

كَتبْتُ عَلى المَاءِ أُحْجِيَةً

وَمَنْ رَامَ أَسْرَارَهَا يَغْرَقُ

وَأَسْرَابُ طَيْرٍ تَحُوْمُ بِقُرْبي

وَلِلنُّوْنِ تَحْتِيْ مَدًى أَعْمَقُ

فَتَحْتُ حُصُوْنَ الخَيَالِ بِهَا

إِذَا هُوَ عَنْكِ بَدَا يُغْلَقُ

وَقَالُوا الصَّبَابَةُ دَاءٌ بِهِ

تَضِيْعُ المَشَاعِرُ أَوْ تُسْرَقُ

فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّنِيْ عَاشِقٌ

وَهَذِي الشُّمُوْسُ بَدَتْ تُشْرِقُ

وَلا خَيْرَ فِي مُهْجَةٍ لَمْ تَذُبْ

وَلا خَيْرَ فِي الحُبِّ لا يَصْدُقُ

 

التوقيع



[ .. مِنْبَرُ الْمَنَابِرِ وَ حِبْرُ الْمَحَابِرْ .. ]


المنبر غير متصل   رد مع اقتباس