منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الشيء الذي ترك لسانه عندي وذهب...
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-15-2014, 04:51 AM   #6
فقـد
( كاتبة )

الصورة الرمزية فقـد

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 18

فقـد سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي


أمي...
يمنية الأصل
تقول ذلك رغم أن والدها فارسيّ وأمها هندية
لكنها تتكلم العربية فقط، لا تجيد ولا الهندية ولا الفارسية
المفاجآة أن والدتها وأخوالها لا يجيدونالتحدث بالعربية بطلاقة،
تقول بأن جدتي، والدتها، أصرت على أن تعلمهم العربية لأنهم في مجتمع عربي

تعود أصول والد أمي لأسرة يهودية استقرت في اليمن منذ زمن بعيد،
لا تحب أمي الحديث عن الموضوع رغم إني سألتها مراراً كيف تحولوا من يهود إلى مسلمين
تقول أمي بأن جد جد جدها هرب إلى اليمن من زمان، من أزمن الزامنين
وانتقل إلى حارة في عدن، في المنصورة، وهناك اشترى بيتاً هو بيتهم لليوم
ودخل في الإسلام لكي يقترب من الناس حوله، لأنهم لم يحبوا التعامل مع اليهود
ولكنها لم تتربى تربية إسلامية،
فقد عاشت في وقت منعت فيه ممارسة الدين في اليمن
منع الحجاب، اختلطت المدارس، رفع تعليم القرآن
وعاش الناس في بيئة كانت فيها كلمة "مسلم" مجرد لفظة تضاف إلى الهوية بلا معنى حقيقي


كان أبوها يعمل مع الإنجليز، وكان يجيد العديد من اللغات،
"لم يستطع أحد أن يعد عدد اللغات التي يجيدها أبي" تقول بفخر شديد
كانت اللغة الإنجليزية هي إحدى اللغات التي اكتسبها بعد الاحتلال البريطاني لليمن،
وبذلك ضمن جدي وظيفة مرموقة بين الإنجليز أهدت أهل أمي مكانة جيدة في المجتمع

كان لهذه الوظيفة سلبية وحيدة، فقد عرفت جدي على حياة "الكفار "
وصار مدمناً على شرب الخمر
لم تكن أمي أو أي أحد حولها يعرف أو يهتم بحقيقة أن الخمر محرم في الإسلام
لكنهم يعرفون أن المجتمع من حولهم ينظر نظرة دونية للسكارى،
وكانت تحزن لأن والدها رجل عظيم جداً

في الأيام القليلة التي كانت فيها أمي تحكي لنا حكاياتها،
كانت تخبرنا كيف كان يخزن جدي زجاجات الخمر في ثلاجة منزلهم
وكيف كان يطلب منها بالذات أن تحضر له زجاجة من الثلاجة والكثير من القات لتعديل المزاج
ورغم أنها كانت ترفض كل ذلك من الداخل، إلا أنها كانت تلبي طلباته بهدوء شديد
عكس كل إخوانها وأخواتها الذين كانوا يمطرون والدهم بالشتائم بسبب العار الذي يجلبه لهم
لم تخبرنا أبداً عن موقف والدتها من كل ما يحدث، لم تتحدث عنها كثيراً،
كان حديثها عن والدتها قصير وحميم ولا يحمل العديد من الذكريات

كانت أمي أجمل فتاة بين أخواتها، وهي رغم عصبيتها حساسة ودافئة جداً
وكان جدي مرتبطاً بها أكثر من بقية بناته وأبنائه
أطلق جدي على أمي اسماً فارسياً معناه "البلورة" بسبب بياضها وشفافيتها الشديدة
وعندما ظهرت عليها معالم الأنوثة، تهافت عليها الخطاب من كل مكان
لكن جدي لم يعتقد أن أمي تستحق أن تعيش في اليمن
كان يشعر بأنها أفضل من ذلك بكثير

تعرف أبي على والدتي عن طريق جدتي، أم أبي، التي تقرب لأم أمي من بعيد
أبي هو أكبر أبناء العائلة، وكان جميلاً جداً وقتها يشبه ممثلي السينما
وعيون أبي، تقول أمي: "عيون أبوكم العسلية هي أول ما لفت نظري"
كان أبي وقتها طالباً جامعياً مبتعثاً للدراسة عن طريق إحدى شركات البترول الإماراتية
وكان الخليج حلماً يراود كل الناس في ذلك الوقت
وكانت الإمارات في الثمانينات في بداية الثورة الاقتصادية،
حيث تحولت من دولة صحراوية إلى مدينة شبه متطورة، ترتفع أبنيتها وتزيد المساحات الخضراء فيها
وأن تتزوج أي امرأة من رجل إماراتي الأصل هو قمة الحظ، وقمة الترف

لم تر أمي أبي قبل الزواج، ولم تكن تعرفه
أرسلت لها جدتي صورة أبي، وطلبت منها أن تفكر على مهل
"أعرف جيداً أن الغربة صعبة يا ابنتي، لكنك ستكونين هنا بين أهلك، لا تقلقي"
كانت أمي وقتها في الثامنة عشرة من عمرها، تخرجت تواً من الثانوية
وعملت في مجال التدريس كخدمة وطنية قبل الالتحاق بالجامعة
وأبي أيضاً، رأى صورة أمي، أعتقد، أو... لا أعرف، نسيت

تم كل شيء بسرعة، انتقلت أمي من عدن إلى الإمارات
تزوجت في عرس كبير جداً في فندق الشيراتون، أكبر فنادق الإمارات في الثمانينات
ودخلت بيت جدي الكبير، وصارت لها غرفة مستقلة، شبه مستقلة
ووقعت في حب أبي،
أحبته لدرجة الألم
لدرجة لا يمكن أن تتحملها أي فتاة على وجه هذه الأرض

عاملت جدتي والدتي كابنة لها
ربتها، علمتها، أمسكت بيدها، دافعت عنها، وأحبتها
أمي بطيبتها وهدوئها وتهربها من المشاكل أصبحت قريبة من الجميع
من كل أهل أبي، كل أعمامي وعماتي يضعون والدتي في موضع مختلف عن جميع زوجات إخوانهم الآخرين
تزوجت أمي أبي وأعمامي صغار جداً
وكانت تحبهم وتدافع عن أخطائهم أمام جدي
علاقة أمي القوية بأهل أبي انعكست علينا، صرنا نحن أيضاً مرتبطين كثيراً بأعمامنا
وصارت معاملتهم لنا تختلف كثيراً عن تعاملهم مع الباقين
إلى اليوم

لم أر أهل أمي غير مرات قليلة جداً، ولا تربطنا فيهم أي علاقة من أي نوع
لا نعرف أسماء معظم أخوالي ولا حتى أشكالهم
بعد أن تزوجت أمي من أبي حمّلها أهلها مشاكلهم المادية
وكانت أمي تخجل منهم ومن تعاملهم معها
وبذلك فضّلت أمي أن تفصل علاقتها بأهلها عنا جميعاً
زارنا أخوالي ثلاث مرات فقط خلال 31 سنة هي عمر زواج أمي بأبي
وزارتهم هي 4 أو خمس مرات على الأكثر
لم تكن تطالب بزيارتهم، ولم يكن أبي يرحب بغيابها عن المنزل للسفر إليهم في كل الأحوال

في عام 1993، كنت في الصف الثالث الإبتدائي وأبلغ من العمر ثماني سنوات
قررت أمي للمرة الأولى أن تحملنا جميعاً إلى عدن لزيارة أهلها
قضينا عندهم أسبوعين حاول فيها جدي وجدتي أن يدللوننا قدر الإمكان
وكانوا ينادوننا "الخليجيين"
وكان أخوالي وأبناؤهم يغضبون من تحدثنا باللهجة الإماراتية،
ويطالبوننا بالتحدث باليمنية لأنهم يعرفون بأننا نجيدها
لكننا لم نكن نجيد التحدث مثلهم، كانت طريقتهم مختلفة عن طريقتنا
بعد فترة، تعودنا على طريقتهم في الكلام، واكتسبنا ألفاظاً جديدة
ألفاظ نبهتنا أمي ألاّ نلفظها أمام أبي لأنها سوقية، وغير راقية أبداً...



[/size]

 

التوقيع

لماذا أكتبُ كلَّ جملةٍ في سطر؟
لا أدري،
ربَّما لأنَّه التَّوزيع البصري للكلمات بهذا الشَّكل
يُريحني،
ويُبهجني،
وربَّما لأنَّها البعثرة تُعجبني أكثر.

محمد البلوي/ تحت الأزرق بقليل

فقـد غير متصل   رد مع اقتباس