أشار لي أبي بأن أجلس على الأرض
كان جالساً فوق سرير أخي، وكانت عصا المكنسة الكهربائية بجانبه
نظرت إلى وجهه مباشرة...
قال: على أساس كبرت وصرت العاقلة
كان يشير بشكل واضح إلى حقيقة بلوغي قبل أسبوعين،
لم أكن أعتقد أنه يعرف، لذلك خجلت وأخفضت بصري لأسفل
"هل تعرفين لماذا ناديتك؟"
عندما يسألنا أبي هذا السؤال تكون كل إجابة ضدنا
لو أجبت نعم يعني أنا وقحة، أعرف الخطأ وأرتكبه
لو أجبت لا، سأكون غبية وحمقاء ولا أعرف الصح من الخطأ
لذلك قلت: نزلت من الحافلة إلى الدكان أشتري حلويات ورجعت...
قال: كم مرة؟
- لا أدري، كثير
انتهى الحوار
بعدها
أمسك أبي بعصا المكنسة، طلب مني أن أرفع يدي
وهوى بها على كفي بكل ما أوتي من قوة...
استمر أبي بضربي ذلك اليوم إلى أن فقدت قدرتي على البكاء
ضربني على ظهري، ومؤخرتي، وأكتافي، وأقدامي، وصفعني على وجهي عشرات المرات
لم يكلف نفسه ولا للحظة عناء آن يشرح لي السبب الذي ضربني من أجله
كنت أرجوه أن يستمع لي وأنا أكرر: طيب أنا أروح الدكان كل يوم، شو المشكلة، ليش...
وكان يغضب أكثر ويضربني أكثر
حاولت أمي أن توقف أبي لكن طبعاً لم تكن محاولاتها مؤثرة بأي شكل من الأشكال
عندما توقفت حفلة الضرب خرج من الغرفة
وكالعادة عندما يضربنا، قال لي قبل أن يذهب: "عندما تكبرين، ستشكريني"
وأمر أمي بأن تقطع مريولي، لأني محرومة من الذهاب للمدرسة... للأبد!
كنت جالسة على الأرض أتفحص جسدي وأبكي بصمت
نظرت إلى نفسي في المرآة المعلقة على خزانتي، لم تكن هناك كدمات على وجهي، تنهدت بارتياح
يدي اليمنى كانت متورمة وممتلئة بالكدمات
تعمد أبي أن يوجه ضرباته للجهة اليمنى من جسدي
ربما لأني عسراء، وقليلاً ما أستخدم يدي اليمين
عندما كنت طفلة حاول أهلي كثيراً أن يجبروني على الكتابة بيدي اليمنى
لكن باءت كل محاولاتهم بالفشل، بعدها علموني أن أمسك الملعقة بيدي اليمنى
ولذلك الشيء الوحيد الذي أستخدم فيه يدي اليمين اليوم، هو الأكل...
وقفت...
لاحظت أن ظفر أصبعي الكبير في قدمي انكسر، كان ينزف قليلاً
مسحته بطرف بيجامتي التي لن أرتديها بعد اليوم لأنها تحولت إلى خرق
حمدت الله لأنني لم أكن أرتدي بيجامتي المفضلة
كان والدي صامتاً كعادته بعد أن يضربنا،
جهزت له أمي كأس شاي بالحليب والهيل، شرب... ونام
كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة والنصف مساءاً
دخلت أمي إلي واحتضنتني وهي تتفقد الكدمات على وجهي
قالت بأن سمعة عمتي صارت على المحك في المدرسة
وبأن مديرة المدرسة قالت لعمتي "باب النجار مخلوع"
قالت: "تعرفين شو يعني تقول لعمتك باب النجار مخلوع؟"
كان الحوار الداخلي الذي دار بيني وبين نفسي يحمّل عمتي مسؤولية كل ما حدث
في ذلك اليوم اكتشفت أن علاقتي فيها ستقتصر على المجاملات
وبأنها إنسانة تافهة... تافهة جداً
لم أكن أعرف بأنها في المستقبل ستتخذ موقفاً حقيراً آخر ضدي
وبأني سأكرهها أكثر مما كرهتها ذلك اليوم
بعد أن حُرمت من الذهاب إلى المدرسة لمدة ثلاثة أيام تقريباً
اتصلت بجدتي ورجوتها أن تطلب من أبي أن يسمح لي بالذهاب للمدرسة بعد عطلة نهاية الأسبوع
لم أكن مستعجلة على الذهاب، كنت أريد أن تختفي كل الكدمات في جسدي
تفاجأت جدتي من كل ما حدث وغضبت من أبي كثيراً
لا أعرف ما هو الحديث الذي دار بينها وبين أبي لكني يوم الأحد، كنت في المدرسة
في المدرسة، كانت عندي صديقة مصرية اسمها نور كاندي
اسم تركي مركب يعني ضوء الشموع
كانت صديقتي المقربة والوحيدة في الصف
كنا نتنافس أنا وإياها على إحراز الدرجات النهائية
كانت تتفوق علي في الرياضيات والعلوم، وكنت أتفوق عليها في مواد اللغات الإنجليزية والعربية
أثناء غيابي عن المدرسة اتصلت بي نور تسأل عني وعن أسباب غيابي
أخبرتها بما حدث، ويبدو أنها أيضاً شعرت بأني مخطئة لأنها أبعدت نفسها عني نهائياً
حقدت على عمتي أكثر
بعد أسبوعين من تلك الحادثة تقريباً
طلبت مني أمي أن أذهب للدكان لكي أحضر بعض لوازم المنزل
رفضت،
قلت: تحتاجين الدكان روحي لوحدك، أما تضربوني وبعدين تطلبون مني أروح إنسي
سبتني أمي ودعت عليّ مليون دعوة لأنها كانت محتاجة للحليب من أجل وجبة الفطور في الصباح
وأمام إصراري الكبير على عدم الذهاب
وعجزها عن استحضار سبب منطقي يبرر إمكانية ذهابي الآن، وسبب الضرب الكبير الذي تعرضت له
اضطرت لأن تذهب مع أخي الصغير لوحدها....
وضحت لي هذه الحادثة شكل حياتي في المستقبل
اكتشفت وقتها أن أبي على استعداد لأن يقتلني من أجل كلام الناس، حتى لو لم يكن الكلام منطقياً
وتيقنت من أني سأنضرب كثيراً
كثيراً جداً...
في المستقبل،
سأحارب من أجل أسخف حقوقي الإنسانية
وسأرسم مليون خطة لهروبي من المنزل
وسأشعر بعدم الإنتماء وبالضياع التام
وسأفقد الثقة في نفسي، وبآرائي وأفكاري
وسأتحول لإنسانة مهملة وتافهة
وسأبحث عن القبول في كل مكان
حتى إني سأصل
... لمرحلة الإلحاد التام
في تلك الليلة بعد أن ضربني أبي
مر على غرفتنا كعادته كل ليلة، تأكد من نومنا جميعاً
ثم صعد إلى سريري، تفقد الكدمات على جسدي
قبلني على رأسي
...وخرج