منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - اللؤلؤ المنثور الجزء الثامن
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-2015, 12:57 PM   #1
سلمان ملوح
( كاتب )

افتراضي اللؤلؤ المنثور الجزء الثامن


لقد أنزل الله تبارك وتعالى القرآن لنشر العلم , ورفع الجهل , ومن تأمل القرآنَ وجد أنه لم يُحمد أحدٌ فيه بمثل العلم , ولم يُذم فيه أحدٌ بمثل الجهل ؛ أليس بالعلم تبيَّنَ للملائكة فضلُ آدم فأسجدهم الله بين يديه ؟ ( .. قلنا ياآدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون . وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ..), أليس بالعلم عرف الناجون الحق وآمنوا به؟ ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ..) أليس بالعلم يتفاضل الناس وتكون الرفعة والشرف لأهله العاملين؟ ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون ) ( ... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ..) أليس بالعلم يقوم العلماءُ خطباءَ يوم القيامة على رؤوس الأشهاد؟ ( وقال اللذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث .. ) لاجَرَمَ أنّ معجزة القرآن كلها مبنيةٌ على العلم ؛ فإعجاز القرآن اللغوي , والتاريخي , والتشريعي , والغيبي , مبنيٌ على العلم بما لا يعلمه الناس , ولا يجدون سبيلا إلى علمه ( قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) ( فاعلموا أنما أنزل بعلم الله .. ) , وفي المقابل لا تجد القرآن الكريم ذم أحداً من الناس بمثل الجهل ؛ فبالجهل وقع المشركون في شركهم ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) وبالجهل كفر الكافرون وأعرضوا عما كان ينبغي لهم أن يتفكروا فيه ( قال لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ..) .


من تأمل هؤلاء الآيات التي تلوتُها , وغيرها من آيات القرآن الكريم عَلِمَ فضل العلم وشأنه , وأنّ الإسلام جاء لينفذ البشرية التي كانت ـ ولا زال كثير منهاـ غارقاً في ظلمات الجهل ( ... أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ..) ويخرجها إلى نور العلم ( الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ... ) ولأمر ما أقسم ربنا بالقلم وما يسطرون , وامتن على عباده بتعليمهم القراءة والكتابة ؛ وكان هذا في أول ما أُنزل من القرآن , ولأمر ما كانت ثورة العلم والتأليف التي أعقبت نزول القرآن حتى أصبحت أمة الإسلام مشعل الحضارة في الشرق والغرب ولكني قومي لا يعلمون!


وإنّ من أظهر أوجه إعجاز القرآن في هذا العصر هو الإعجاز العلمي , وهو من الظهور بحيث لا ينكره إلا جاهل أو معاند ! ذلك الإعجاز الذي لم يجد البروفيسور الكندي كيث مور ـ أستاذ علم الأجنة ـ بُداً من الإقرار به والسجود بين يديه وقال ـ وفاء بحق العلم والمنطق وإن لم يكن مسلماً ـ : مصدر القرآن إلهي ولا يمكن إلا أن يكون محمد رسولاً ا.هـ وكم ساء حديثه هذا من علماء دارونيين أمثال الشقي زيمايرز ؛ فعندما سئل هذا الشقي عن الإعجاز الذي تحدث عنه كيث مور قال : إذا كان هو عالم أجنة فأنا كذلك عالم أجنة , ولا أرى في القرآن إعجازاً ! هذا أقصى ما قال , وهو أقصى ما يستطيع ؛ لأنه لا يملك من الحجج والبراهين ما يرد به على مور , كيف وقد تواترت كلها ضده , وكان البروفيسور مور في إحدى ندواته يتحدث عن إعجاز القرآن في كندا ـ على ما أظن ـ فقال له أحدهم : بما أنّ العرب كانت أمة متوحشة فربما بقروا في يوم من الأيام بطن امرأة حامل فشاهدوا كيفية تكوين الجنين , فابتسم البروفيسور وقال ولكن الأطوار الذي ذكرها القرآن عن النطفة والعلقة والمضغة والتي هي محل الإعجاز لا تُدركُ بالعين المجردة !


ومن أنفع الأبحاث التي طالعتها في هذا الشأن مبحث البروفيسور الفرنسي المسلم موريس بوكاي ( التوراة والإنجيل والقرآن دراسة علمية في ضوء المعارف الحديثة) وقد أنصف العلمَ والحقَ في بحثه هذا وقال في مقدمته ( لقد قمت بدراسة القرآن دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة , باحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث ) ا.هـ وأثار كتابه هذا ضجة في الأوساط العلمية الغربية , لا لشئ إلا لأنه تحدث بالحق! ( وأكثرهم للحق كارهون ) , وإن تعجب فاعجب لتلك الأوساط ؛ فهي تقدس العلم والمنطق وتقيمهما مقياساً وحكماً في أمورها الدنيوية وأبحاثها وعلومها التجريبية , ولكن عندما يتعلق الحديث بالخالق جل جلاله وبالدين فلا مكان للعلم والمنطق حينئذ , فالفعل بلا فاعل! والحكمة بلا حكيم! والعلم بلا عليم! والثلاثة واحد والواحد ثلاثة! , وما ذاك لجهل ولكنه حساب قديم تريد هذه الأمم تصفيته مع الدين الذي حكم عليها بالموت إبان محاكم التفتيش ! ولو أنصفوا ـ وأنّى لمثلهم الإنصاف ـ لعلموا أنّ الدين الذي حكم عليهم بالموت آنذاك ليس دين الإسلام ؛ بل هو دينٌ مسخٌ وَضَعَهُ ( قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) .

 

سلمان ملوح غير متصل   رد مع اقتباس