فإنه يكون من الشروط الجوهرية للقيام بأي عمل عظيم ، أي بأي عمل يكتب له البقاء ، إلى ما بعد العصر الذي يظهر فيه ، ألاَّ يلقى الإنسان بالا إلى معاصريه ، وألا يعير آراءهم ووجهات نظرهم أدنى اهتمام ، أو يهتم لما يتبرعون به من تقريظ أو انتقاد لشخصه ولأعماله ، وهو شرط يتحقق ، على أي حال ، من تلقاء نفسه ، عندما ينتج الإنسان أي عمل ذي قيمة حقيقية ومن حسن الحظ أن تكون الحال كذلك ، لأن المؤلف إذا انصرف إلى الاهتمام بآراء زملائه وتقصي أحكامهم وهو بسبيل إخراج عمله إلى الوجود ، سيكون ، بذلك ، قد أتاح لهم الفرصة كيما يضلوه سواء السبيل في كل خطوة يخطوها . ومن هنا فإن الكاتب الذي يصبو إلى صيت باق يتعين عليه أن يجتنب تماما مؤثرات عصره ، بمعنى أن يكف عن محاولة التأثير في معاصريه أو التأثر بأحكامهم ، وأن يكون مستعداً لشراء أجيال طويلة من المجد الأدبي بثمن بخس هو الاستغناء عن تقريظ معاصريه له .
شوبنهاور