كان صاحبي ( سيد العارفين ) يلاحيني في الكتابة في المنتديات وكان يذكر محاسنها ويثني عليها وظننتها فتاة يريد أن يبني بها من شدة شغفه وتعلقه بها وكثرة الحديث عنها . قال لي : " الكتابة قنطرة فوق نهر السأم " ، فقلت له: " صدقت , ولكن ماذا سأجني من الكتابة في العالم الإفتراضي ؟! نظر إلي شزرا وقال : " ستجني أكثر مما تستحق .. الكتابة تملأ وقت الفراغ وتصقل الموهبة وتزيد من غزارة الإنتاج .. وربما تصبح كاتباً مرموقاً يوماً ما.. وأنصحك نصيحة محب لك الخير كاره لك الشر ، اكتب ثم اكتب ثم اكتب ولا تلتفت للناعقين والناقدين ... الآن أسديت لك النصيحة فخذها بالمجان وكن أريب واهتبل فراغك بالكتابة". قلت له : الاريب يعلم أن كل النصائح ليست صائبة فإذا أرسلت النصيحة إلى الشخص الخاطئ فسيكون مصيرها البوار أو الركود .. صدقني ( يا سيد العارفين ) كلما هممت بالكتابة في هذا العالم أجد صعوبة بالغة في تنقيب العقل الباطن لإستخراج الدفين .. وإذا انبثقت الأفكار أشبه ما تكون كالنمل الخارج من جحره يطأها الظاعن برجله ويزدريها المقيم من الوهن الذي فيها .. وقد يُهمل القارئ ما كتبت وتضيع مع تراكم السنين وربما يقفل المنتدى وأكون من الخاسرين " . قال " لا عليك من هذا أنه وجل ليس في محله .. بالكتابة والقراءة المنتظمة تظهر المعجزات ويكون مصدرها حنايا القلب وقعر الذاكرة " . فقلت " دائماً أشبه نفسي بالفتى على ظهر سفينة انتبذ ناحية حتى لا يراه أحد .. يستروح في الهواء رائحة نسيم المحيط فيمد يده في داخل جيبه ويخرج ورقة وقلم ليكتب ما يريد .. وبعد فترة من إعنات الفكر .. انبثقت أول أحرفه بصعوبة بالغة فتدفقت الحروف كما يتدفق المصلين خارج المسجد بعد ان ينفتلوا من صلاة الجمعة ... وماهي إلا سويعات حتى أهترأت الحبال وتساقطت الأشرعة على السفينة ثم حطمتها وغرقت وغرق كل من كان عليها وحسب الفتى أن الأفكار تطفو ... فصعق حين رآها تسبح إلى قاع المحيط فلم ينجو الفتى وذهبت أفكاره سدى " . قال لي : " أنت متشائم وما الحوار معك إلا جدال أشبه بجدال الكردلية ضوضاء وصخب في كل مكان ..أنت لا تعلم أن المنتديات ما هي إلا البداية للكتَاب والصحفيين والروائيين وهي الإنطلاقة الأولى لنيل المراتب العليا ورفعة الشأن ... وأقول لك بملء فمي ما من منتدى يغرب هنا إلا ويبزغ آخر هناك ولك الحرية في التنقل مثل الكاتب الصحفي حين ينتهي عقده مع أحد الصحف بمقدوره الإنتقال إلى صحيفة أخرى بعقد جديد ويكون فكره أكثر تجدداً ونشاطاً " . فقلت : " وما أظن في كلامك هذا إلا محاكاة الإنجليز الذين كانوا يروجون للديانة الأنجليكانية بقولهم من يريد السعادة ونيل الوظيفة في إنجلترا لابد له أن يكون طالب من الأنجليكان " . قال بغضب " حسبك هذا " . فقلت : " لِم الغضب وأنت سيد العارفين ؟! .. راجع كلامك جيداً فكأنك تتحدث عن حقيقة مطلقة لا إعتراض فيها ويجب علي الإذعان وإلا أكون من أعدائك إلى يوم الدين " ..
تفكر في الأمر قليلاً ثم استراح هنيهة وعاد بقول مختلف فقال : " حسناً , من حقك أن تقول ما تشاء وتفعل ما تشاء ولكن أي الحالتين أفضل أن تكتب وتمارس الهواية إلى أن يكتب الله لك رزق من هذا العمل أم تبقى على ديدن الكثيرين ولا تحرك ساكناً وتظل تقرأ الكتب إلى أن يضعف بصرك ويشيب رأسك حتى يحين أجلك ؟ " . فقلت : " بالطبع الحالة الأولى أفضل لأنها أكثر إقناعاً ومنطقية " .
ملحوظة : كتبت هذا الحوار الذي دار بيني وبين صاحبي الخفي "سيد العارفين " قبل عامين ، ولقد تغيرت أفكاري الآن خصوصًا بالجزء المتعلق بربح المال من الكتابة ، وجدت أفضل من المال وهو المتعة واللذة ، المتعة واللذة تكفيان لممارسة الكتابة .