في الليلة الفائتة، أصابتني نوبة هلع، فخرجت من المنزل وأنا اترنح، ومشيت في الشوارع الواجمة على غير هدى، حتى استقرت قدمي عند بوابة كبيرة، فخطرت ببالي فكرة أن أنزع ثيابي وأدخل عاريًا، وفعلت ذلك. كانت مقبرة واسعة جدًا، فصرتُ أحدَّق إلى الحُفر لعلَّ العين تعرف المحجوزة لي منذ الأزل، وأستريح فيها، ولا أنهض إلا بعد قرع جرس القيامة. كان حارس الموتى يقظًا في غرفته وقد انتبه لأمري، وأطلّ وجهه الكبير من النافذة الصغيرة، كان مذعورًا وجزعًا، ولم يجسر على الخروج من الغرفة والحديث معي، ظنًا منه أنني كنت من ضمن الأموات الذين دفنوا في الظهيرة، والوحيد الذي اصطفاه الرب برجوع الروح في المساء، ولمّا رآني أتمايل كالعربيد، تحول الظن إلى يقين، فأغلق النافذة وأوصد الباب. بقيتُ وحدي لساعات أرنو هنا وأرنو هناك، حتى اقتحم رجال الشرطة الجبَّانة وطلبوا مني التوقف عند مكاني وألا أتحرك شبرًا واحدًا، وإذا لم أسمع الأوامر سيطلقون النار، فقلت في نفسي، افعلوا إن كنتم رجالاً، هذا مكاني ولن أخرج منه أبدًا، فخطوت خطوة شجاع، وتجاهلتهم جميعًا، وسرت بين القبور أشدو وهم يصرخون من خلفي، حتى سمعت رصاصة تحذيرية في الهواء، فلم تثبط عزمي، وأكملت سيري وغنائي حتى أطلق أحدهم رصاصة في جسدي فسقطت على الأرض، ولم أدر عن نفسي إلا في غرفة صغيرة وممرضة بجانبي.