منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ثنائية النثر (5) إباء الشرق \ محمد سلمان البلوي
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-29-2016, 03:37 PM   #2
محمد سلمان البلوي
( كاتب )

افتراضي



من أ. إلى م. وبالعكس
(هل ثمَّة مَنْ يكتبُ مثلنا؟)

الجوابُ الرَّابع

يا الغريبة:

كلماتُنَا تُشْبِهُنَا، لكنَّنا لا نُشْبِهُ أحدًا، وإنْ وقعَ الشَّبَهُ فإنَّهُ ليسّ مُتَعَمَّدًا. وكلماتُكِ مِثْلُكِ، وأنتِ مِثْلُهَا، قويَّةٌ ورقيقةٌ، ورقيقةٌ وقويَّةٌ، أراها فأراكِ، وأسمعها فأسمعكِ، وأكادُ أعرفكِ، لكنْ... هل أعرفكِ حقًّا؟ وهل الحزنُ واجبٌ؟ وهل الفرحُ عيبٌ؟ وهل بالموتِ نخونُ الحياةَ؟ وهل بالحياةِ نخونُ الموتَ! وماذا نفعلُ إذا لَمْ نفرحْ! وماذا نفعلُ إذا لم نُحِبْ!

لا الفرحُ آثمٌ، يا صديقتي، ولا الحبُّ أعمى، ولا مرآتُهُ عمياءُ، ولا نحنُ عميٌ، إنَّما بالفرحِ نُبْعَثُ ونَتَجَدَّدُ، وبالحبِّ نرى للمرَّةِ الأولى ونَلْحَظُ الفرقَ. وقد نَرِثُ العداوةَ ونُوَرِثُهَا، لكنَّنا لا نُحِبُّ بالْوِرَاثَةِ. والْمَحبَّةُ بنتُ ذَاتِهَا، ولا أَبَ لها، قبيلَتُهُا الأرواحُ الحالمةُ، ووَطَنُهَا القلوبُ الحانيةُ. وهيَ فتيَّةٌ جدًّا وفاتنةٌ وصلبةٌ وصامدةٌ، لا تَهْرَمُ أبدًا ولا تَذْبَلُ ولا تُهْزَمُ ولا تَفْنَى. ولأنَّها من الْجَنِّةِ وسُرَّتُهَا مَوصُولَةٌ برَحِمِهَا؛ فإنَّها تُدْخِلُنَا الْجَنَّةَ وتُعِيدُنَا –بحولِ اللهِ- إليها. والأرواحُ –مثلُ الأجسادِ- يُقْبِلُ بعضُهَا على بعضٍ ويُقَبِّلُ بعضُهَا بعضًا، وإِقْبَالُهَا الظَّنُّ الْحَسَنُ، وقُبْلَتُهَا الدُّعَاءُ الصَّادقُ، تتوضَّأُ الرُّوحُ بِنِيَّتِهَا، ثمَّ تفترشُ سَرِيرَتَهَا، ثمَّ تستقبِلُ اللهَ بكاملِ صبرِهَا وصمتها، ثمَّ تغرقُ في الصَّلاةِ وفي الدُّعاءِ تستغرقُ.

يقولُ الشَّغوفُ بالفكرةِ، فَتُجِيْبُهُ المفتونةُ بالكلمةِ:

- أحبُّ النِّساءَ جميعًا، وكلُّهنَّ حبيباتي.
- تُحبُّ امرأةً لا تعرفُهَا؟
- أحبُّها لأنَّني لا أعرفُهَا.
- إنَّك لا تعرفُ الحبَّ.
- إنَّني أنا الحبُّ.
- وكيفَ ذاكَ؟
- أنا الشِّعْرُ.

لا شيءَ يُعيننا على الحياةِ كالشِّعْرِ، الفنُّ شِعْرٌ، والموسيقى شِعْرٌ، والكتابةُ شِعْرٌ، والحزنُ شِعْرٌ، والفرحُ شِعْرٌ، والعلمُ، والعملُ، والألمُ، والأملُ، والجمالُ، والعدلُ، والحرِّيَّةُ، والحقُّ، والطُّفولةُ، والخيرُ، والمرأةُ، والحبُّ... كلُّهَا شِعْرٌ، والحربُ شِعْرٌ، لكنَّه شِعْرُهَا مبتذلٌ ومعتلُّ وناشزٌ ومختلٌّ. كأنَّما الكلمةُ تُناطحُ الكلمةَ! والقصيدةُ تطحنُ القصيدةَ! والأفكارُ ذاهلةٌ، والصُّورُ تئنُّ، المعاني تسيلُ... تسيلُ ثمَّ تطيرُ.

جمالُ الوردةِ واضحٌ، وعطرُهَا صريحٌ، الوردةُ لا تخشى شيئًا، الوردةُ لا تخشى أحدًا؟ والوردةُ هي الوردةُ ما لَمْ تُفَارِقْ غصنَهَا، يجرحُهَا البعدُ ويقتلُهَا، فهل البعدُ يقتلُنَا؟ هل سألتِ نَفْسَكِ –يا الغريبة-: كيف تموتُ الوردةُ ؟ بل كيف تعيشُ ؟ وهل جرَّبتِ الكتابةَ على رائحةِ الحنينِ؟

أخوك/ م.



 

محمد سلمان البلوي غير متصل   رد مع اقتباس