منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قطوف من قراءاتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2021, 02:01 AM   #10
د. لينا شيخو

( ذات طيب )
مؤسس

افتراضي



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الأصدقاء المتابعون لما بدأناه :
اقتباسات من رواية البيت الأندلسي لـ د.واسيني الاعرج كما وعدتكم ..

* إن البيوت الخالية تموت .
*الرائحة كالهمّ، إذا عمّتْ خفّتْ، بعد ها يألفها الناس، ثم سرعان ما تتلاشى نهائيا.
* البيوت في هذه البلاد كانت تعزف ولم تكن تبنى .ومن هنا هشاشتها.
عندما تفرغ ، تجتاحها الضباع بفكاكها الحادة والصلبة ، قبل أن تتعفن من الداخل والخارج ، وتموت كما يموت البشر .
* لا أحد ممن عرفتهم كتب عن أحداث القرن العشرين التي مرّت بالبيت . شعرتُ كأنه جاء دوري في تجميع أشلاء أخبار هذه الحجارة المرصوصة التي مستها أيادٍ كثيرة وحولت جزءا كبيرا منها .
معني إلى أقصى حد بما تبقى ، وما أعرفه وما أحفظه .لم يفت الاوان بعد لقول مالم أقله من قبل.ولن يبدو على المخطوطة أي انكسار .أعرف جيداً قراءة الخط المغربي والكتابة به أيضاً.به كانت تتم كل التدوينات الرسمية والقضائية حتى في الفترة الاستعمارية .قرن بكامله لم يتم تدوينه وعلي أن أفعل ذلك بنفسي قبل فوات الأوان موصلا علاقتي بجدي الأول الذي أشعر بجاذبية غريبة نحوه.

* كانت ملامسي متعبة ، مرتجفة، تنزلق على المخطوطة كعازف يبحث عن نوتته الموسيقية الضائعة على بيانو قديم .
كنت أعوم فوق ماء كان خليطاً من السوائل والاملاح والرياح .تناهى إلى أنفي الحاد ، عطر الحبر الذي جف ، ولم تجف رائحته البنفسجية .
أصبح فجأة كل شيء على مرمى بصر ، قريبا من نداءاتي وأناملي .رأيت جدي ألروخو ، سيدي أحمد بن خليل، وهو يرسم أول حروفه على ورق مهرَّب من السفن الاسبانية ، ويرصف الكلمات حرفاً حرفاً ، وأنيناً أنيناً ، ورعشة رعشة .
كانت جمله تتنفس بصعوبة بين يديه وبين شقوق القلم ، متحسسة أصوات الخارج وهدير البحر والسفن الغامضة وسر العيون المشبوهة.

* عندما نخلق مقبرة تبدأ حواسنا بالتربة والأرض تتأصل بقوة ، ونشعر فجأة أننا أصبحنا من هذه الأرض أو تلك . بدون مقابر تظل الأراضي التي نسكنها بعيدة عنا .
* هذا الوطن أعرفه جيدا وأحتفظ به في قلبي .
اتركوا الشهداء ينامون قليلا ، لقد تعبوا في حياتهم وفي موتهم . وطني في جراحات جسدي .لو تفتحونها بصدق، ستجدون في كل جرح يختبىء تاريخ الذين مروا من هنا .لكني مثل أجدادي ، تعودتُ أن أستر جرحي وأخبىء حبي لهذه الأرض في عيني.

* وأنا أتسلق المرتفع حاضنا مخطوطتي التي استعدتها من البنك، لا أدري لأي سبب باستثناء رغبتي في لمسها قبل ان تذهب نحو المكتبة الوطنية ، لم أفكر في أي شيء آخر سوى تلك الضبابة الكثيفة التي ذكرتني بيوم وصول جدي إلى وهران وهو يتكلم عن قوة البياض المعمية للبصر عندما كانت تخترقها أشعة الشمس الصباحية .
غابت نداءات الطيور التي كثيراً ماكان يحلو لها التغريد بين الأشجار في مثل هذه الاوقات .لم اكن أسمع إلا صوت الآليات القاسي الذي يملأ مخي بعنفه، وهي تتآكل بحديدها المسنن وتخترق قداسة المكان ، تتلوها ارتطامات كأن زلزالا عنيفا كان يأكل كل شيء .
كلما سقط حائط، تبعه هدير غريب، لا ادري إن كان يأتي من البحر او من مكان التهديم .كنت أشعر أن هذه المدينة التي بدأت تفقد ذاكرتها ، كانت تنشىء نسيانا جديدا في كل حائط كان يتهاوى جزؤه او كله.

* لم أفكر في شيء وانا أقاوم صعاب المدينة ، فقد ظللت مشدودا إلى سلطانة في كل ماكنت أفعله.إلى وجهها وعينيها ودمعاتها الأخيرة ، إلى حزنها واشواقها المكسورة . كانت آخر صورة في ميناء المارية تملأني . لم أيأس يوما واحدا من مجيئها . كنت على يقين من أنها ستأتي ، اليوم . غدا...بعد غد..سنة ...بعدسنوات، ليكن، سأنتظر .شيء ما في داخلي، يصعب تفسيره، كان ينبئني بذلك.
أحيانا في لحظات الخلوة عندما أقف من وراء الناظور ، أراها بلباسها الاندلسي الفضفاض ولا أخرج من المقصورة حتى يسحبني النوم أو الاغفاءة الطويلة ، على تفاصيل وجهها المنكسرة او السعيدة .هي هي ، لم يتغير فيها أي شيء .
ضحكتها وسحر قلبها الممتلىء نورا ولذة.
رعشات خوفها من الاقدار الخفية . أحلامها التي لاحدود لامتدادها .عندما تنتابني أحزان الفقدان ، وتنزل الظلمة على وجهي ، أراها معلقة في يد رجل آخر .أتمتم بيأس : ألم يكن من الممكن الانتظار قليلا يا سلطانة ؟ ماجدوى اللقاء هاهنا في انتظار سفينة لن تصل أبدا.
لم اكن ملاكا في حياتي ولكن سلطانة كانت كل شيء.
حزني وسعادتي ، ارضي وفقداني، حبي،شوقي،ارادتي القوية في الحياة ، منفاي وقلقي. كانت حبلي القوي الذي يشدني إلى تلك الأرض التي لم تعد بعيدة . وعزائي الكبير في الفقدان. كنت مدركا أنها هي ايضا كانت معلقة في الهواء مثل النسمة الهاربة .مجروحة في الصميم .وجهها الطفولي لم يغب ولا لحظة واحدة .تحملت على مضض أن تسرق مني تربتي التي عُجنت فيها ، ولكن ظللت ملتصقا بحلم سلطانة الهش.

* حينما أتخفى داخل المقصورة ، وافتح زجاج الناظور بكل طوله، يتراءى لي البحر باتساعه وعبث أمواجه، ثم ارى سفن الصدفة التي تدخل في المشهد بدون استئذان ، أتخيلني داخلها.أقول في خاطري ، لكي أخفف من شجني وحزني : ربما كانت مجرد سفن للصيادين . ثم فجأة ، وبدون سابق انذار ، تتراءى لي سلطانة بابتسامتها الرائقة وهي تتحسس اوتار عودها ، مع صديقاتها، في بيت خالتها شوشانة، صوت حي البيازين النقي والصافي ، في درب القيصريات .اميّز مخارج حروفها المليئة بالسلاسة ، وصوتها الصافي والعذب كحفنة ماء . أعرف من أين يأتي ، ومع أي خفايا روح كان يتماهى .أعرف حتى حالته التي هو فيها في عرس صوتي جماعي ، قبل ان يتفرد عن بقية المجموعة بشكل ناعم ومتواتر، في إيقاع يكاد يكون كنسَياً .

* انفجر قادوس الماء قوياً فصعد فوارا عاليا عدة أمتار ، ربما كانت النافورة أو ماتبقى منها .
في لحظة من اللحظات شعرت كأن الأرض كانت تنزف وتنز دماً.قبل أن تسلم نفسها لقاتلها.
كانت هذه التربة تموت تحت الاسنان القاسية للآلة .
ـــــ. ـــــ. ـــــ
هناك صفحات كاملة لا يمكن الاقتباس منها ترتبط جملها وأفكارها كما لو انها جسد واحد يصعب علي نقلها بالكامل ..
الرواية تشبه شعورنا ونحن نفقد منازلنا وذكرياتنا وتاريخنا امام أعيننا ضحية الصراعات التي لا تعنينا ..
أرجو أن تنال إعحابكم ..



 

التوقيع



" التأمل ليسَ هروباً ، لكنه مواجهة هادئة مع الواقع ."

" ..؟ .."

http://www.ab33ad.com/vb/showthread....93#post1164193

د. لينا شيخو غير متصل   رد مع اقتباس