منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ذاتَ شِــتـاءٍ فـي مَـقـهـىَ
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-2018, 07:29 PM   #1
سعيد مصبح الغافري
( شاعر وكاتب )

افتراضي ذاتَ شِــتـاءٍ فـي مَـقـهـىَ


ذاتَ شِــتـاءٍ فـي مَـقـهـىَ

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بالمقهى الذي إلتقينا فيه ، في إحدى حوائر دمشق . نفس مقهى العام الفائت ، الذي جمعني بها بنفس يوم عيد ميلادها ، الكانوني السعيد . ذاكرة القلب الوفي لا تنسى هذا اليوم أبدا ، فهو مطبوع فيها ، مثل وشم سحري ، صعب الزوال أو الامحاء ، فهو مع صاحبه حتى النفس الأخير . كان الجو في العراء باردا . الدنيا الآن شتاء . لمحت ندفا بيضاء صغيرة من الثلج ، غافية على بعض الأوراق . ثمة ريح شتوية تولول بالخارج . ثمة دفء كبير داخل المقهى . أكثره كان دفء اللقاء نفسه .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

شيء ما أثار انتباهي في صديقتي . لم تتغير لطيفة أبدا . مازالت بنفس صورتها الدمشقية التي أحتفظ بها لها في ذاكرتي وأوراق ما أكتب من شعر . نفس ملامح إمرأة دمشق بكل جمالها وألقها وأناقتها وروعة طلتها . والأكثر ما شدني تلك الروح التي فيها . روح عنيدة مقاومة للظروف ولكل عواصف الإحباط واليأس، وقلما تجدها إلا في شخص عاشق حتى الثمالة لتراب وطنه . رغم الحرب ، تقابلني لطيفة بنفس وجهها الشامي الدمشقي المليء بالمحبة والطيبة والنقاء والجمال . نفس الوجه القاسيوني الشامخ الذي ألمح أنفته في جبهتها العالية. نفس العينين العميقتين ، الجامعتين للجمال والعناد معا . لا تستطيع أن تعرف وتتلمس حقيقة دمشق عن قرب إلا حين تلتقي بها . بقرميدها . بناسها . بأهلها . بحاراتها . بقبابها . بكنائسها . ومساجدها . وقبور أوليائها وحدائقها . وياسمينها الذي يمنحك عشقه ، منذ أول همسة يهمسها لك ضوعه الفواح. في لطيفة تحديدا رأيت كل دمشق . كل سوريا . لم أطلب منها أن تأخذني معها في جولة في حارات الشام وأسواقها وميادينها وحدائقها وأنهارها وآثار تاريخها الضارب في أعماق الدهور والحقب . إستغربت هي هذا الشيء يصدر من شاعر مفتون حتى النخاع بعشق بلادها .. إستغربت مني أني لم أطلب ذلك منها على لهفتي العارمة لرؤية كل الشام حارة تلو حارة ومعلما تلو معلم . بحسها الأدبي أدركت أن للشعراء طرائقهم في رؤية الأشياء ولقاء الجمال . قلت لها وأنا أضحك : كل الشام إلتقيته اليوم في هذا المقهى .. لا تسألوني كيف يرى الشاعر جمال بلاد بأسرها وشعب بأسره خص نص في إمرأة واحدة تجتمع فيها كل ملامح بلادها وصفات أهلها .. كيف يحدث ذلك في ومض الشعور ويتدفق سكبا من كلمات أو ألوانا بهيجة ترسمها المخيلة ؟! لا تسألوني . أنا بذاتي ما بعرف .
قبل أن نفترق ، هنأتها بعيد ميلادها ، وأهديتها كمشة من قصائد قلبي ، وقلت موصيا :
( هذا الذي كتبته هو لدمشق ، وأنت يا صديقتي كل دمشق الغالية ) .
شربت فنجان اللقاء ، ثم ودعتها ..
_ هل سنلتقي مجددا ؟
سألتني بعينين متعلقتين ونحن على وشك فراق . أجبتها مبتسما :
_ طبعا يا صديقتي . سنلتقي . أنسيت أن هنا قلبي ؟!
أشرقت الضحكة على وجهها . ثم توادعنا ، ورحلت عنها في الغياب .
بقلمي / سعيد مصبح الغافري
_____________________

 

التوقيع

خذوا كل ما تقدسون ..
واتركوا لي فقط ثـالـوثـي المقدس :
وطن .. وفيروز .. وكتابة .

سعيد مصبح الغافري غير متصل   رد مع اقتباس