منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-2020, 10:23 PM   #11
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


قعد وأقعد ولده ثمّ سأله مستفهمًا..
قلْ لي يا بُني ..أثناء العمليّة وجدتك تجتاز بُعدًا ولجت فيه ..وقصّ له كلّ ما رآه أثناء ما كان مخدّرًا في العمليّة..
دهش فهمان لِما قال أبوه ثمّ أجابه بقوله..أنت تخشى من فشل العملية ليس من أجل حرصك على الحياة وإنما حرصك على عدم تركي وحيدًا ، ولذلك فعقلك الباطن تحدث إليّ من بُعده الذي سكن فيه أثناء العملية .
وعقلك الباطن يحدثك بأني سأهلك دونك.
صمت فطين قليلاً ، وذهب إلى شأن آخر ، حيث تدبّر في أمرِ أهل الحيِّ ، كيف سيواجههم بوجهه هذا ، قطعًا سيبلّغ أحدهم عنه ، ثمّ قال لفهمان ..
للأسف يا ولدي أبوك لمْ يحسن التدبير .
فردَّ فهمان ..لِم يا أبتِ هل ..
قاطعه قائلاً ..لقد نسيت أمر الحيِّ ، فتجهزْ للرحيل ، فأنا لنْ أخرجَ مِن بيتي أبدًا ، اذهبْ غدًا وابحثْ عن مسكنٍ جديد .
صمتَ فهمان تجاه أمر أبيه إذْ أنّه لا خطورة عليه مِن أهل الحيِّ لأنّ اليهوديَّ لمْ يمتْ ، فأرجأ مصارحته إلى حين .
ثمّ قال لأبيه ..حاضر أبتِ ، سأبحث .

وانجلى الغمام ..للأسف السهم لمْ يصبْ إلّا راميه....
مرّتْ عدة أيام فقط وتأقلم تمامًا القلب مع الرأس الجديد ، كما أنّ مرارة الحزن والغربة مضيا إلى زوال .
وخلال هذه الأثناء كان يتابعه الطبيب مؤيد بصورة دائمة ليبلغه تعليمات بروفيسور بيتر .
ولمْ يكفّ مؤيد خلال هذه الفترة عن دعوة فطين كي ينضمّ إلى اتحاد المقاومة ، بيد أنّ فطينَ دائمًا يرفضُ ويقولُ له رسالتي نحو ولدي أجلَّ وأسمى ، فولدي أمّة وحده وحضارة لو فُعّلتْ لكان حُجّة على أهل الأرض جميعًا.
وكلُّما يرفض فطين يزداد مؤيد حسرة على هذه الإمكانيّات والوطنيّة التي لم تنصهرْ في بوتقة كفاح اتحاد المقاومة.
والآن ، قد حانت لحظة المصارحة ، كلّم مؤيد فهمان عبر الهاتف وأمره أن يخبر أبيه بالحقيقة.
دلف فهمان حجرة أبيه فوجده شارد الذهن فاستبهه قائلاً ..أبتِ أبتِ
فردَّ..نعم يا ولدي ، عرفتُ بأمر شفائِك الكامل وأريد أنْ أبوحَ لك بسرٍّ ، قال..قلْ يا فهمان..
يهودي الفندق لمْ يمتْ ..
اضطرب قلبه وزاغت عيناه بمجرد سماع الخبر ثمّ قال له ماذا ؟ ماذا قلت يا بني؟
-قلت اليهوديّ لمْ يمتْ.
-سأله متفجّعًا ..كيف عرفت؟
-ذهبتُ إلى هناك ورأيت اليهوديّ..وقصَّ له كلَّ ما حدث بالضبط .
-تأوّه فطينُ وتحسّر على خوْض المخاطر وبيع منزل زوجته ، والأوْجع تحسره لضياع دم العالم هدر، ثمّ سأله..لِم َقلت ذلك يا بني الآن ولمْ تقلْه قبل ذلك؟
-ما كنت أودُّ أنْ أؤلمك مرتيْن ، فكفى آلامك التي طالتك بسببي ، ولقد قلته الآن بعد أن تمّ أمر شفائك فتهون الحسرة التي قد تفتك بك ، ولكي تتصرّف بحريّة تامة لتيقنك عندئذٍ ألّا يلاحقك أحد .
-قال وفؤاده انصدع من الحسرة ..كمْ أنت حكيم يا فهمان ، كمْ أنت عليمٌ يا ولدي.
اختلى فطين بنفسه ليفكر في شأن مستقبل فهمان العلميّ .
أمعن النظرَ فيما كان يفكر فيه من قبل ، وزادتْ عزيمته نحوه بعد موقف ابنه الأخير .
وهو تسفيره إلى أمريكا لتعلم العلم السليم وتفعيله على أرض الواقع ، وظلّتْ الآمال العِراض تستفزّه وتحرّكه ، بينما فراق ابنه وخوفه عليه يكبحان جماحه ويثبّطانه.
لمْ يفكرْ مطلقًا في المنح الدراسيّة لإنّ المحسن سيد لمن أحسن إليه ، فكيف يطلب من أمريكا تسعفه وهو سيصارعها من خلال ولده ، فأبتْ نفسه العزيزة فعل ذلك ورفع رأسه لأعلى الشرق من حيث تشرق الشمس ، بينما نظر إلى مغربها وأشار إليها بأنّ تأتي بركبها هنا ..هنا في مصر وتستقرّ ثمّ قال ..ويا ليتها لو كانت أرض الوادي الجديد .
ثم تابع حديث النفس فقال عازمًا ..
لابدَّ مِن توفير كآفّة النفقات لإرساله إلى إحدى جامعات أمريكا أو سويسرا فالعلم لديهم كالماء والهواء ، بينما لدى مصر والبلاد العربية كالقمامة ، وحتى مَنْ فلحَ مِن أبناء جلدتنا إمّا ارتموا بعد ذلك في أحضان أمريكا فعاشوا أثرياء ، وإمّا أرادوا أحضان أوطانهم وثراه فتعرضوا للتصفيّة مِن قِبل الكيدون الإسرائيليِّ .
فهل يا تُرى أين موقع ابني إذا تعلّم وفقِه ..في بلده يدخلها آمنًا ويحمل في كيانه نجاة هذه الأمّة أمْ يؤثر السلامة ويرتمي في أحضان أمريكا ؟
أغامر بِه ؟ لا أغامر ..أأقدّمُ رأس ابني تحت سيوف الموساد أمْ أقدّمه فداءً لوطني ..مصر .
لعلّ مصر يأتيها مَنْ يصلّح مِن حالها ويأخذ ابني وغيره مِن مئات النوابغ المصريّة لبناء حضارتنا على بُسطٍ من العلم .
بنفسي ومالي أجاهد حتى تتعلم يا فهمان .

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس