منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-15-2020, 02:42 AM   #13
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


كما أخذه الإعجاب مِن جانبٍ آخر بنجاح العالم في صنع هذه المصاعد الفضائيّة.
اِنتبهوا إليّه وكعادة بني البشر يحبّون استفزاز الضعفاءِ والهروبِ مِن سطوة الأقوياء بالالتفاف حول الأخيرة خنوعًا ، ونعتهم بكلِّ أخلاقٍ حميدة .
تركوا الأخبار وأخذوا يتغامزونه ويلمزونه كعادتهم مُذْ عاد أبيه بالوجه الجديد ، وفهمان يتجاوز مضايقتهم ولا يردُّ عليهم مع أنّ كلماتهم كالخناجر التي تدمي قلبه ، كما أنّه لمْ يصرحْ لأبيه قول أهل الحيّ حتى لا يضجر .
يقذفون أبيه بعشرات التهم وكان أبرزهم القتْل والنصْب ، وتنوعتْ أساليب همزهم ولمزهم ما بين متأففٍ ومتشدّقٍ ، وما بين متطهّر يمسح ثيابه كلما مرَّ فهمان بجانبه ، وما بين مستهزئ ضاحك وسط قهقات بلغت الآفاق ، وفطين ما زال في البلكونة يفكّر مغتمًا في مستقبل ولده ، ليس من أجله فحسب ولكن من أجل مصر التي تقبع فى ظلمات الفقر والجهل .
وأصحاب اللحى جالسون وحدهم في المقهى وكانوا يلعنون أبيه فيما بينهم لتغييره خلْق الله بعد أن زرع الوجه الجديد ويصفونه بالكفر والخروج عن ملّة الإسلام .
*تلمّس فطين وجهه ثمّ قال..كلّ شئ يهون من أجلك يا أمّ ..يا مصر .
همّ فهمان بمغادرة المكان مستاءً ..فاعترضه بلطجيٌّ واستوقفه واندفعَ تلقاء وجهه ، بينما فهمان يتراجع للخلف ، وقال له أحد أصحاب اللحى لابدَّ مِن القصاص ، مَنْ قتلَ يُقتل أو الفدية بالمال ، ثمّ أسرع إلى فهمان ووقف خلف ظهره وبرك بروك البعير أو كذوات الأربع ، فاصطدمتْ مؤخرته بظهر الحيوان البشريِّ فتشقلب ، فضحك الناس وقالوا المثل القديم ..لا يقع إلّا الشاطر..
شاهد فطينُ المشهد ، فأخذ عصاه وانطلقَ يعدو بأقصى سرعة متوجّهًا إلى الحدث ، أرسلتْ الخليتان العصبيتان الطبيعيّة والصناعيّة معًا إشارة غضب ، وكان الغضب هنا مستمد مِن معينيْن ممّا كان له الأثر الشديد في مضاعفة غضبه وقوّته.
أخذ بيد ابنه فأقامه ، ثُم حصدَ القوم كلّهم وتبيّن سبيلهم وأوغل في نواياهم .
وبروفيسور السياسة حدجهما بإدراك ثمّ قال ..
ها هو الأسد المستنفَر، فلمّا نظر إلى رأسه وعصاه التي يحملها قال ..ها هما العلم والقوة لا غالب لهما ، ولقد شاهد اللاسة والجلباب فقال ..وها هي الأصالة تحيا من جديد لتُعلن عن نفسها أنّها الأقوى.
وقف فطين أمامهم وقد وقفوا أمامه بجهلهم صفًا ، وقفَ وعيناه تدقُّ شررًا ، ملامح وجهه توحّشتْ ، العصا تحولتْ إلى أنياب وكلاليب ، عيناه غدتْ محرك أو مغناطيس فقدْ حدّ بصره إلى ثلاثة مِن أهل الحيّ كان بأيدي كلٍّ منهما عصا وركّز عليها دون أن يدري مكامن قوّته فوقعتْ جميعها على الأرض ، وظنَّ فطين أنّهم ارتبكوا وانتابهم الذعر والخوف إلى درجة الاستسلام .
ارتعدتْ أوصال البلطجيّ والدابة البشريّة الأخرى معًا فلاذا بالفرار ..
نظرَ فطينُ إلى القوم كلهم قائلاً..إلى متى نظلُّ نلهو ونلعب ، إلى متى نتعارك ونتخاصم ، عدونا مِن خلفنا صعد الفضاء بمصاعد فضائيّة ونحن نبتغي في الدهاليز والأنفاق ، نلوي شفاهنا ونتشدّق بألسنتنا لنبثَّ سموم الأفكار الدينيّة في نفوس الشعب المسكين ، ويستعفي بعضنا على بعض في حالات أخرى .
اِسمعوا ..لابدَّ أن نكون إخوة ..وإن عدتم إلى ذلك فأقسم بربّي لأعبطنّكم بهذه العصا ..
نظرّ بعضهم إلى بعضٍ وتساجلوا متلاومين ، يرجع بعضهم إلى بعضٍ القول ، فانفضَّ مَنْ انفضَّ وظلَّ الباقون صامتين بين مؤنّبٍ لنفسه ومؤنّبٍ لغيره .
تمحّصَ وجوههم ثُمّ قال لهم ..أنتم أهلي وجيراني ..
اِسمعوا ..سأقيم لكم سِركًا هنا في الشارع أمتّعكمْ وأعلّمكمْ العلمَ عبر ألعاب سحريّة لمْ تروا مثلها قطّ .
سمع القومُ كلامه ونسوا الحدث برمته وانشغلوا تمامًا بخبر فطين وخبر السيرك وأخذوا يتهامسون فيما بينهم ، وقال بعضهم لبعضٍ لعله يخرجنا مِن همومنا وأوجاعنا ..
أسرعوا إليّه كالمهاجمين ، فرفع عصاه تأهبًّا للدفاع ، لكنّهم أشاروا إليّه براية السلام والإجلال والخنوع .
رفعوه فوق أكتافهم ونسبوا إليّه الشرف والأمانة ، وهذا شأن الرعاع يحبّون القويَّ ولاسيما لو كان كريمًا ويبغضون الضعيف ولو كان منصفًا .



يتبع ..

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس