منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قردة وخنازير (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-29-2019, 04:11 PM   #1
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي قردة وخنازير (رواية)


تهميد

(في البدء كانت الفكرة)

اجتمعوا في قبو أحد القصور المهجورة..
تسعة متشحين بالسواد، يرتدون أقنعة بيضاء و يجلسون حول طاولة مستديرة عليها شموع بعدد الجالسين..
هذه ليست حفلة تنكرية، وليست جلسة لتحضير الأرواح .. حينما تنصت لما يقولون ستدرك أن هذا اجتماع لإحدى الحركات السرية..
قال كبيرهم :
ـ بسم المهندس الأعظم لهذا الكون، نفتتح الجلسة..
عطس أحد الجالسين فطار قناعه وكاد يطفئ الشموع.. حدجه كبيرهم من وراء قناعه بنظرة حادة.. لو انطفأت الشموع لفروا أجمعين..
ضحكة رقيعة أفلتت من أحدهم فازداد الموقف سوءاً.
كل ذلك كان يجرح جو الرهبة الذي تعمدوا بثه في ذلك الاجتماع..
لكن لا بأس.. فكل الحاضرين من الشباب.. وغداً حينما يعرفون مدى المسئولية الملقاة على عواتقهم فسيودعون نزق الشباب للأبد ..
بعد برهة عاد السكون يغلف المكان، وواصل كبيرهم الكلام :
ـ إن العالم يسبح في الفوضى مذ نشأ.. لأن مقاليد الأمور توسد إلى العقليات الرجعية التي تقدس الظلام ، وتكره النور.. لقد قضيت ليلة أمس مفكراً في إيجاد حل لمأساة عالمنا.. العالم مقسم لدول وممالك متباينة فيما بينها من حيث اللون والجنس والدين.. وهذه الاختلافات الثلاث كانت أحد الأسباب الرئيسة في النزاعات والحروب التي جرت بين الأمم على مدار التاريخ.. ولقد حان الوقت لمحو كل تلك الأسباب التي تعيق التعاون والتآخي بين البشر..
وجال فيهم ببصره قائلاً :
ـ لاحظوا أن بيننا يهود ومسيحيين ومسلمين وهندوس وبوذيين.. بيض وحمر وصفر وزنوج .. هذا ليس متحفاً للأجناس أو مجمع للأديان.. نحن هنا لنعلن للعالم أن المرء أذا أراد أن يزيل الغشاوة التي على عينيه ويبصر النور الحقيقي، يمكنه أن يسمو فوق الجنس واللون والدين.. يمكنه أن يندمج في عمل جماعي يرتقي بالبشرية كلها..
ثم استطرد :
ـ إن لدينا فرصة لإقامة مشروع نظام عالمي جديد.. لكن أقول لكم بصدق: أن فكرتنا لا يمكنها أن تنجح في ظل الحكومات القائمة اليوم.. لذا..
وضرب المائدة بقبضته مردفاً :
ـ لابد من تدمير سائر حكومات العالم وبلا استثناء..
كاد قناعه أن يسقط عن وجهه لولا أن تداركه بيده بسرعة.. تأكد من تثبيته جيداً ثم عاد ليواصل الكلام لكن بحماس أقل:
ـ فقط ينقصنا لتحقيق ذلك الهدف السرية التامة.. والتمويل.. وحتماً سنجد بعض السادة الأثرياء من الهواة ومحبي الغموض والإثارة.. فمثل هؤلاء يغدقون الأموال على حركات سرية بعدد شعر الرأس.. لكن ليس بين هاته الحركات من يرقى إلى عقولنا كاملة الاستنارة..
تدخل أحد الأعضاء قائلاً:
ـ اسمح لي أيها الأستاذ الأعظم.. فأنا لدي عم عجوز وثري وليس له وريث غيري..
ـ هذا النوع لا يموت ميتة طبيعية غالباً.. لأن الوريث المنتظر حتماً سيفتقر إلى الصبر..
قال العضو بلهجة ساخرة :
ـ أنت تقرأ أفكاري أيها الأستاذ الأعظم.
ـ وأنهاك كذلك عن التصرف بحماقة حتى لا تخسر ثروة عمك.. وربما حياتك نفسها حينما تعلق في حبل المشنقة.
تحسس العضو عنقه لا إرادياً على حين عاد الأستاذ الأعظم يواصل حديثه لبقية الحضور.. قال:
ـ وإلى أن نجد الممولين المناسبين لهذا المشروع الكبير فسنقسم الآن جميعاً على المضي قدماً في هذا المشروع مهما كلفنا من تضحيات.. ومهما واجهتنا من عقبات..
تنحنح أحدهم.. ثم تساءل :
ـ معذرة أيها الأستاذ الأعظم.. ولكن لماذا أغفلنا العنصر النسائي في تنظيمنا هذا.. فكلنا هنا من الذكور.. وهذا منافي لنظرتنا التقدمية التنويرية.
وانبرى ثان قائلاً :
ـ هذا سيظهرنا بمظهر الحركات الذكورية الرجعية.. وستسود صورتنا أمام بقية الحركات السرية المنافسة.
رد كبيرهم قائلا:
ـ مازال أمامنا وقت طويل حتى نجد العناصر النسائية المناسبة للتضلع بدورهن إلى جوار الرجال.. فنحن سيكون لدينا طقوس رذيلة حتمية في المستقبل القريب.. نحن لسنا بأقل من الحركات السرية الأخرى..
ابتهج الجالسون للأخبار السارة وبدو أكثر انسجاماً.. فواصل كبيرهم بلهجة منتصرة :
ـ أرى أننا الآن مستعدون للقسم..
قالها ثم وضع كفيه مبسوطتين على المنضدة، فحذا الجميع حذوه.. بعدها قام كل منهم بوضع راحته اليمنى على يسرى المجاور له والعكس بالعكس.. فكونوا دائرة مغلقة من الأكف المتلاحمة.. عندها قال كبيرهم بصوت جهوري :
ـ لنردد معاً القسم..
هنا تحطم باب القبو وأحاط بهم جيش من رجال الشرطة مدججين بالسلاح..
نظر الأستاذ الأعظم للفوهات المصوبة إلى رؤوسهم، ثم التفت للعضو الذي تكلم عن ميراث عمه وسأله في مغضباً :
ـ أقتلت عمك؟
هز العضو رأسه نافياً في عنف.. فالتفت الأستاذ الأعظم لرجال الشرطة قائلاً في سخط :
ـ ما هذه الهمجية ؟ نحن جمعية سرية محترمة ولا نمارس أي نشاط معادي للدولة..
قال كبير الشرطة :
ـ تقصد لا تمارسون نشاطاً معادي لدولتنا وحدها.. لقد تم تسجيل كل شيء.. مؤامرتكم قد انكشفت.
صرخ الأستاذ الأعظم :
ـ خيانة..
رد عليه قائد الشرطة بنبرة ساخرة :
ـ بل هي حماقة.. فنصف أعضاء جمعيتك من رجال الشرطة.
صاح الأستاذ الأعظم متشدقاً:
ـ كجماعة محترمة لابد أن يكون لنا رجال في شتى المجالات.. لدينا أطباء ومحامون ومهندسون كذلك و..
ـ وفر هذه المعلومات المهمة لحين يتم استجوابكم.
لم يكد كبير الشرطة يتم عبارته، حتى هجم رجاله على أعضاء الحركة وطرحوهم أرضاً، ثم قاموا بتقييدهم قبل أن يسحبوهم للخارج وسط ضجيج وصراخ وتوسلات وعويل..
لكن لم ينس الأستاذ الأعظم وسط كل هذا الصخب أن يصيح برفاقه وهم يسحبون على وجوههم :
ـ غداً حينما نسيطر على العالم.. ذكروني أن أمحو هذا المشهد من ذاكرة التاريخ.
***

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس