منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-30-2020, 10:07 PM   #24
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وفي نفس التوقيت يحلم جاك بكابوسٍ هو الآخر .
يري وحشًا بحجم الشمس ، ثمّ أخذ ينكمش على نفسه حتى أصبح مثل مدينة صغيرة ، ثمّ فتح منتصفه كأنّه فمه ، ثمّ سعى خلفه ليأكله ويأكل مَن حوله ، لكنه قرّر أن يباغته ليمزّقه مِن الداخل ، فجذبه فدخل بين فراغات أمعائه ومزّقها ، ولكن للأسف فقد كان يمزقه هو الآخر ، صرخ وما زال يصرخ حتى استيقظ صارخًا .
نظر تلقاء فهمان فوجده مستيقظاً لكنه كالمجنون ، يصيح أغيثوني أغيثوني .
اندفع إليه جاك فاعتراه فزع آخر غير فزعه ، انطلق يُهدّئ من روع فهمان ويهزّه من منكبيْه كأنّما يوقظه حتى يصمت .
فقال له فهمان معذرة أخي لعلّ صوتي أيقظك فزعًا .
ردَّ جاك .. أهو كابوس ؟
ردّ ..نعم.
فتعجّب جاك مِن تزامن كابوسيْن في أول لقاء يجمعه مع هذا العربيّ الخلوق ، وعندها علم جاك أنَّ هناك آصرة قويّة تجمع بينه وبين هذا الفتى .
في صباح اليوم التالي ذهبا معًا إلى المرشد الأكاديمي ، استفسرا عن نظام الدراسة فيها سواء الخاصة بالمواد الدراسية وسنة التخصص وعدد ساعات اليوم الدراسي الواحد و .. الخ .
فأجاب بالتفصيل ، وظل يتكلم ، ومن ضمن ما قال ..
العالم في حاجة إلى روّاد فضاء للبحث عن كوكبٍ يدعم الحياة ، فموارد الأرض على وشك الفناء خلال المئة سنة القادمة .
واستهلاك العالم لهذه الموارد فاق الحدّ ، كما أنّ الجنّ غدا يشاركنا طعامنا أكثر من ذي قبل .و ..
لم يسمع ولم يرَ جاكُ في المرشدَ الجامعيّ إلّا حركة شفتيه التي ما زالت تتحرك ، وكذلك فهمان ، فقالا في نفسيهما..يبدو أنّ هذا الرجل كان قسّاًَ .
مساء اليوم التالي ...
بعد لقائهما بالمرشد الاكاديميّ لم يضيّعا وقتهما ، حيث ذهب فهمان لشراء بعض الكتب في مجال الفيزياء الذريّة وأحدث المختبرات الحديثة مثل مصادم الهادرونات المستقبلي fcc-1 ووضعها على الأرض ، ثمّ نظر في الجدران فتفاجأ بوجود أرفف عليها ، لحظات وولج جاك الباب واعتلى سُلّمًا ليضع كُتبًا عليها ثمّ نزلَ وقالَ ..هذه كتب طائرةٌ فيها ما يحمينا مِن الفناء .
قرأتُ عنواناتها ، كلّها كتب تتكلم عن فيزياء الفلك والعلوم الفضائيّة .

في صباح اليوم التالي..
اجتمعَ رئيسُ الجامعة بالدوليين المتميزين فقط وكان منهم فهمان بالطبع وعرض عليهم قروضًا حسنة مقدمة مِن الحكومة الفيدراليّة على أن تسدّد أثناء عملهم في أمريكا ، وإذا اِرتأت أمريكا الاستغناء عن الطالب بعد تخرجه تنازلتْ عن الدين .

وتمرُّ الأيّام وألِفَ جاك فهمان وأحبّه .
وذات يوم ..فتح جاك الحاسوب الكبير في الحجرة المشتركة ، كتب في محرك البحث ..."رحلات الفضاء القمريّة"
شاهد فيها مجموعة من الروبوتات وهي تحمل أطنان مِن تربة القمر لاستخلاص هيليوم -3 في الأماكن المظللة منه ، شاهد كثيرًا مِن الروبوتات تتسلّق المصاعد الفضائيّة تندفع بشعاع من الليزر مِن الأرض ثمّ بعد ذلك تسير متّجهة إلى القمر مدفوعة من خلال الخلايا الشمسيّة النانويّة التي انتهى منها خبراء العالم منذ عدّة أيّام .
فضلاً عن تعبيد منطقة كبيرة عند خط الإستواء تمهيدًا لبناء محطة كبيرة من الألواح الشمسيّة النانويّة على أرضيّة القمر .
وذكرتْ وكالة ناسا أنّها لا تودّ عمْل محطة شمسيّة مداريّة فحسب بل تريد تثبيتها على أرض القمر .
وذكروا تقنية لنقل الطاقة الكهربائيّة مِن القمر إلى الأرض باستخدام المرايا .
رنَّ جرسُ هاتف فهمان ، نظر.. إنّه أبوه يطمئنُّ علي حاله .
خرج مِن الحجرة إلى الردهة العامة ، طمئنّ أبيه بالهمس ، ثمّ سأله عن حاله أيضًا فأجابه بأنّ كلّ شئ على ما يرام ، وأمره بأن يعتني بنفسه وأغلق الخطّ على الفور .
همس فهمان في نفسه قائلاً ..أعرف أنّك ما استطعتَ أن تسيطر على مشاعرك ، فلمّا كاد الدمع ينحدر مِن مقلتيْك دعوتَ لي وأغلقتَ الخطّ كي لا أسمعك .
ولقد صدق حدس فهمان فبمجرد أن أغلق الخطَّ لم يتمالك أبوه نفسه وأخذ يجهش بالبكاء وقال وهو يمسح الدمع من خديّه..كلّ شئ يهون في سبيلك يا مصر .
غاب ساعة يهيم على وجهه حزنًا على مشاعر أبيه التي احترقتْ وتضعضتْ مِن لهيب الغربة .
دلف فهمان باب الحجرة ودخل ، وبمجرد دخوله وجد جاك يتمتم بكلمات عن رحلة إلى أحد النجوم قائلاً ..هذه المحطة الشمسيّة من الممكن استغلال طاقتها في إطلاق شعاع ليزر من محطة ليزر تُبنى بجانبها .
والشعاع يدفع شراعًا شمسيًا بمسافات لا بأس بها ، لكن المشكلة أنّ الدفع سيكون في نهار القمر فقط حيث تتغذى الخلايا الشمسيّة على الشمس .
و ...
واستمر يحدّث نفسه وفهمان يسمعه ويحدّق في وجهه ، فلعب به الفضول وأعاد تشغيل الفيلم مِن جديد بعد أن استأذنه ، فدار بخلده بعد مشاهدته ما دار بخلد جاك أيضًا .
نظر إليه جاك وهو يفعل ذلك ، وبمجرد أن انتهى فهمان قال ..سوف تحتاج رحلتك هذه إلى جهاز شامل يدعم الحياة ، فحملق فيه جاك وحدّجه بقوة إعجابًا وحبّاً .
كلّ يوم يمرّ تزداد الآصرة بين جاك وفهمان حتى تخطتْ كلّ حواجز اختلاف الجنسيّة والديانة ، وما كان هذا التخطّي إلّا لصفاء قلبيْهما وعظمة بذلهما للغير فضلاً عن عبقريّتهما العلميّة.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس