منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - بُرونْز
الموضوع: بُرونْز
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2021, 04:14 AM   #36
عَلاَمَ
( هُدوء )

الصورة الرمزية عَلاَمَ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 50467

عَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعةعَلاَمَ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة





في مطلع نيسان..
يَكتُب عبدالرحمن منيف إلى فيصل درّاج:



عزيزي فيصل
... الضحية والجلاد ليسا شيئين مختلفين فقط
وإنما هما النقيضان ، العدوان اللذان لا يمكن أن يتصالحا أبداً، أو أن يجدا قاسماً مشتركاً للبقاء والتعايش ، وكلمة " التدمير " التي استعملها دقيقة وشديدة الدلالة ، فكل طرف يريد تدمير الطرف الآخر ، نفيه ، وإن كانت وسيلة كل طرف مختلفة عن الآخر . فالضحية بالتماسك والصمود والمقاومة، وبالإستعداد للتسامح مع الطرف الآخر لكي يبقى ، لكن شرط أن تنتهي صفته كجلاد ، والجلاد في أن يلغي من عداه ، أو أن يجعله صورته وشبيهه وامتداد له ، وعدم الإعتراف أو التسامح بوجود الاختلاف أو الأنا الأخرى المتميزة ، والمستقلة .

ومن هنا نأتي للنقطة الأخرى ، وقد أصبحت مضيئة : الضحية تتعامل مع الحاضر من أجل اكتشاف طريق المستقبل ، ولذلك فهي احتمال غائم ،أو مراهنة خطرة ، وهي بمقدار ما تهتم بالحاضر وتتعامل معه فإنها تعتبر هذا الحاضر الرحم الذي يتكون فيه المستقبل ، وهذا ما يجعلها شديدة القلق ، دائمة البحث ، ومستعدة أيضاً للمغامرة والتضحية ، وهذه العناصر التي لا تبدو ايجابيتها للجميع بنفس المقدار تجعل الأمور في حالة سيولة ، أو أقرب إلى تكوين غير منته، وبالتالي بحاجة مستمرة إلى الإضافة والتعديل والتغيير، ومن هنا يأتي التعدد والإختلاف.

ولهذا فإن التثبيت التي يحاول الجلاد الوصول إليه وجعله أبدياً ومستمراً يقابله تفتيت تلجأ له الضحية من أجل زعزعة ما هو ثابت وظالم ، ولذلك تبدأ لعبة غير متوازنة ، تبدأ مغايرة مليئة بالحلم من جانب الضحية، ولا تعني شيئاً هاماً للجلاد ، نظراً لتباين القوى ، من ناحية ، ولأن الجلاد ، كما الضحية ، لا يدرك أبعاد هذه اللعبة ، واحتمالات نتائجها ، لكن في لحظة معينة ، لحظة التغير الذي يحصل في موازين القوى، والأثر الذي يتركه حلم الضحية ، والمثل الذي يبرزه أو يشير إليه ، تجعل الجلاد يعيد ترتيب أولوياته ، بما في ذلك قطع الطريق نهائياً ومرة واحدة على الضحية .

ولهذا نلاحظ ، في إحدى مراحل الصراع، عنفاً مبالغاً فيه ، وقسوة تزيد كثيراً عن الخطر ، وهذا العنف وتلك القسوة يراد منهما التخلص من الخطر أو احتمالاته ، وعملية تثبيت أو إعادة تثبيت لما أصبح يهتز أو لم يعد بنفس الرسوخ السابق ، إضافة إلى خلق الأمثولة .

وأمثولة الجلاد تفرز بالضرورة أمثولة الضحية ، ومن هنا نجد روح السخرية ، إذا صحت مثل هذه التسمية ، في اللعبة . تماماً كمن يقابل دبابة بعصا ، أو من يريد قتل نملة برصاصة . وهذا ما يجعل الأشكال ، بتنافرها ، مضحكة وقابلة للكسر، على الأقل في وجدان الناس. فتظهر النكت والسخرية والصور المركبة كطريقة من طرق المواجهة والرد ، ويصبح سريانها سريعاً وتصديقها سهلاً ، وهذا من شأنه أن يزعزع أكثر فأكثر الثبات السابق والإطار القاسي الذي كان يحيط بالجلاد .

إن التغير المستمر في الصورتين ، وفي الحالتين ، يحتاج إلى تعبيره في كل المستويات ، بما في ذلك الفن والأدب ، ولذلك نلاحظ الضحية ، وبالتالي المعارضة ، رغم ما تعانيه ، قادرة على توليد أشكال لا نهاية لها من التعبير ، وهو أحد أبرز أسلحة المقاومة ، مما يولد غنى في الأساليب وتنوع في الأدوات ، وهذا يخلق مناخًا مساعداً على التوليد المستمر مما يؤدي إلى خصوبة غير متوقعة في جانب ، وضمور وموات في الجانب الآخر ، ولذلك نلاحظ أن الضحية ، والمعارضة عموماً تتميز دائماً بالقدرة على التنوع واكتشاف أساليب جديدة وتقديم صيغ أكثر قدرة على التوصيل والتأثير ، مما يجعلها أكثر كفاءة وقوة ممن يمتلكون القوة والمال والسجون والرصاص ، وبالتالي يهيىء لها المناخ للحماية أولاً ، ثم للقوة بعد ذلك ، مما يخلّ بصيغة التثبيت التي يحاول الجلاد إدامتها .

وما ذكرته عن الوحدانية المسرفة ، والتي يريد الجلاد إشاعتها ، لتكون وحدها صورته ، وبالتالي الإلحاح على الصورة الواحدة ، والشكل الواحد ، والكلمات نفسها ، وحتى طريقة قص الشوارب التي ذكرتها ساخراً ، تصبح هذه المفردات وحدها علامة القوة ، أو التظاهر بالقوة .
أذكر ، قبل سنوات ، أن طريقة الكلام ، ونوع الملابس ، والمشية ، ومفردات أخرى عديدة من نفس الطراز ، أصبحت وحدها السائدة في أوساط معينة في العراق: جميع القادة يدخنون السيجار . وجميعهم يشربون نوعاً محدداً من الويسكي ، وجميعهم يتكلمون بطريقة جلفية، أي يطعمون الكلام بمفردات شعبية، ولكن من القاع ، وهذه المفردات أقرب ما تكون إلى كلمات القوادين والداعرات ، فعلوا ذلك تشبهاً بالقائد .

وفي وقت لاحق أصبحت العطور وأربطة العنق وألوان الملابس وموديلاتها من نفس المخازن والمصادر . ثم أصبحت القصور وأنواع السيارات رموزاً تدلل على الموقع والرتبة . كل ذلك يتم شرط حفظ المسافة ما بين الآباء والأبناء والأحفاد ، بحيث لا يتطاول الابن على أبيه ، أو أقل رتبة على رئيسه وولي نعمته .

وهذا الذي ساد وتفشى خلق نمطاً من المصنوعات لا تكاد تختلف إلا من حيث الحجم ، حتى إذا انتهت المودة (الموضة )، وهي تنتهي حين يريد الجلاد ذلك ، تتغير الطواقم ، أو تغير الطواقم جلودها من أجل كسب وقت إضافي ، أو للعب في الوقت الضائع .

قواعد مثل هذه ظهرت وعمت ، وكانت من صنع الجلاد وعلى نموذجه ، لكن ألا تلاحظ ، رغم الغنى والتنوع اللذين يظهران لدى الضحية ، أن الضحايا ، بعض الأحيان ، تفعل ما يوازي أو ما يماثل ما يفعله الجلاد ؟ إنها تفعل ذلك ، دون شعور واعٍ ، في حالات معينة، أو كطريقة من طرق المقاومة ، أو ما تظنه مقاومة !
الأخطاء ذاتها ، المبالغة ، روح المغامرة ، الشعور بالدونية ، وأحياناً الرغبة في أن تقتل نفسها أو أن ُتقتل .

ما أريد أن أنبه إليه هنا أن حالة قطيعية بمقدار ما تصيب الجلاد ، أياً كان حجمه أو دوره ، تصيب الضحية أيضاً ، وهذا ما يفقدها روح المبادرة والتنوع والخصب ، أو ما يجعلها لا تختلف ، نوعياً ، عن جلادها .

هل أريد أن أصل إلى المساواة بين الضحية والجلاد ، أو إلى اعتبار الدوافع واحدة ؟ لا أعتقد ذلك ، لكن أريد لفت النظر إليه أن كثيراً من الضحايا يصبحون كذلك دون وعي كافٍ ، وأن دوافع بعضهم لا تختلف عن الدوافع العميقة للجلادين . كيف ؟ إن بعض هؤلاء يركن إلى شيء غيبي خلفته العادة أكثر مما ولده الوعي ، وأن بعضاً يصاب بحالة من العناد وردات الفعل ، أي " يثور " حسب التعبير العامي ، أكثر مما يريد تغييراً جدياً وعميقاً . وأن بعضاً لا يستطيع أن يصل إلى نتائج سليمة من خلال قدرته على المحاكمة، ولذلك يترك لغيره أن يتخذ القرار نيابة عنه، ومثل الشيخ وأتباعه ، فإن الأتباع عادة ينوبون عن الشيخ في الأعمال الشاقة والقذرة ، ويتعففون عن مقاسمته الغنائم والملذات !

هذا النوع من الضحايا كيف يمكن أن نصنّفهم أو كيف يمكن أن نميزهم عن الجلادين ؟
أعرف أن النوع يشكل الإستثناء في الحديث الي يجري بيننا ؛ أو بالأحرى ونحن نجري هذا الحديث عن الضحية والجلاد ، نحاول أن نكتشف القوانين العامة ، إذا صح التعبير ، وأن نميز الأساسي من العارض ،والقاعدة من الاستثناء ، لكن مع ذلك يجب ألا تغيب التفاصيل أو الظلال .

لقد اقتربنا شيئاً فشيئاً ، من تحديد الملامح والإشارة إلى القسمات التي تميز وتحدد ، ولا أعرف إذا كانت لديك الرغبة في أن ندرس أكثر الصفات التي تجعل من الجلاد جلاداً، خاصة إذا كان من منبت فقير ، وإذا عانى من ظلم الآخرين وعرف معنى الظلم وقسوته ، والجوع وآلامه ، ثم كيف يتحول إلى شخص من نمط آخر .

كيف يحصل هذا التغير . . .ولماذا
هذان السؤالان يثيران لدي قلقاً أقرب إلى الخوف ، خاصة وأن الأمثلة حولنا كثيرة إلى درجة تثير الفزع والتساؤل معاً .
أطرح هذين السؤالين ، وآمل أن نكتشف الجذر ثم الآلية ، وعلنا نقول قولاً جديداً .



مع كل المودة .
عبد الرحمن منيف

 

عَلاَمَ غير متصل   رد مع اقتباس