منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - سليمان الفليح في سهرة خاصة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-15-2006, 09:53 AM   #4
حنان محمد

كاتبة وإعلامية

مؤسس

افتراضي


ماكتب عنه في جريدة الطليعة :


سليمان الفليح.. الساكن المهاجر

· اكتشف الكاتب محمود السعدني شاعريته وكتب عنه مقالة منحازة للشاعر البدوي الجميل

· "بوسامي" تربى وترعرع في الكويت وشرب حبها والولاء لها وكان مشبوباًبغرامها



"حملتني الخيول السريعة بلا ارتباك، بلا وجل نحو أبعاد فسيحة، ومن رآني عرفني سماني: السيد بلا موطن، فكن جريئا، وكن قدامي ولا تخذلني أيها النجم البراق: يا حظي! فلا يتجرأن علي أحد بعد هذا فيسألني: أين يوجد موطني؟ أبدا ما كنت مرتبطا بالأمكنة، أو الساعات الهاربة مثلما النسر حر أنا فكن جريئا، وكن قدامي ولا تخذلني يا شهر "أيار" الأنيق يا حظي! أيكون الفناء علي حقا؟ أعليّ أن أقبل الموت العنيف؟ ذاك ما بالكاد أقبله· أعليّ أن أدخل اللحد، والكف عن الشراب إطلاقا؟ فكن جرىئا، وكن قدامي ولا تخذلني يا حلما تعددت ألوانه: يا حظي!"·



قصيدة "بلا موطن" للشاعر فردريش نيتشه



يحدث - دوما - أن تفكر في صديق عزيز حميم، وتفصل بينكما صحارى وبحار، ومحيطات تجده هو الآخر يفكر فيك، يرن التلفون القادم من أقاصي الدنيا فتفاجأ بصوت الصديق يتدفق الى مسامعك، إنها حالة "التخاطر" التي تحدث بين اثنين (على قلب واحد) كيف؟ أقول لك ما حدث لي من تخاطر مع صديق حميم غادرنا من سنوات على حين غرة، وفاجأنا - محشر مريديه - بسفره المفاجئ وهجرته المحيرة، في الرياض شرع الكاتب الصحافي الشاعر الصحراوي المدهش "سليمان فليح" في تدبيج مقالة ود، ورسالة تواصل مكدسة لذكر مناقب "العبدلله" ومحاسنه التي عادة لا نأتي على ذكرها إلا حين يغادر المرء الحياة الدنيا·

وفي اللحظة ذاتها التي كان فيها الكاتب الصحافي الشاعر الصديق "سليمان فليح" عند "العبدلله" كنت آتي على سيرته، وأتحدث عن ذكرياتي معه الى صديق مشترك سألني ليلتها: أين هاجر واختفى صاحبنا كل مدة الخمس عشرة سنة، كان يتذكرني تحديدا ويتداعى الى ذاكرتي شفهيا، وكلنا مر بحالة التخاطر هذه بشكل أو بآخر، ومن هنا وجدتني أنكب على الورق وأدبج إليه هذه الكلمات·

وهنا قامت معركة حامية الوطيس بين بنات أفكاري كل بنت ترغب في أن تتحدث عن "بوسامي" قبل غيرها بدعوى أنها تخبره عن كثب أكثر من أخواتها، الحق أني وقعت في حالة "حيص بيص"، وشعرت بورطة مع "البنات" المتدافعات بالمناكب على إحداهن تشكل الجملة الأولى في أول سطر من ذكرياتي مع الإنسان الجميل، والشاعر البدوي النقي المترع بقيم الصحراء وتقاليد البادية التي نخبرها عنه منذ أن تزاملنا في حضن "دار السياسة" مطلع السبعينات، ولحظة أن شرعت في الكتابة وجدت حلا "حضاريا" لمعركة "بنات أفكاري" سالفة الذكر ولأني أعرف - من سوابق الحالات - أن الكتابة ليست سهلة وهينة، مثل تدبيج رسالة أو مكتوب مفتوح يسطرها "العرضحالي" الذي نراه يقبع أمام قصر العدل والوزارات التي لا يمكن تمرير معاملة دون هذه الرسالة إياها، ولأني والد ديمقراطي عريق وجدتني أقول لبنات أفكاري: سوف أسمح لكل واحدة منكن "باللعلعة" بحرية تامة عن صديقنا الغائب الحاضر إياه ولكني - تأسيا بحكام دول العالم الثالث عشر - سأكتب بنفسي ما أريده وأبغيه، هو أن لكُنّ حقوق الهذرة وللكاتب حق اختيار الكلام المناسب اللائق بأخ حبيب، غادرنا دون وداع وغاب عن ناظرينا خمس عشرة سنة ونيف·

وما إن سمحت "لبنات أفكاري" بحرية التعبير في القضية التي أنا بصدد الكتابة عنها حتى وجدت أن كل أصدقائي الذين لم يحصلوا على الجنسية الكويتية يهبطون على خاطري، ويأتون على بالي، ويحتلون ذاكرتي ووجداني وكان في مقدمتهم الصديق العزيز الشاعر والكاتب الصحافي "سليمان فليح" المدجج بروح الصعلكة وقيم الفروسية الصحراوية البدوية التي لم تلوثها قيم وتقاليد قبيلة "بني نفط"! ومن هنا انضمت الى بنات أفكاري بناتهن وأحفادهن و"مربياتهن" لكي يسهمن في تسطير شهادتي بشأن قضية ذلك النفر من "البدون" الذين أثبتوا بالقول والفعل إبان الاحتلال بخاصة أنهم كويتيون خلقة وهوى وموقفا وممارسة وسأختار في سياق هذه الشهادة الحديث عن واحد من الأصدقاء الحميمين الذين عرفتهم عن قرب، وعاشرتهم عن كثب عن واحد هو سليمان فليح، في السبعينيات عرفت "بو سامي" سليمان فليح إبان استضافة صحيفة "السياسة" لقلم "العبدلله" كانت الصحيفة تحتضن الكثير من الأقلام الكويتية والعربية الممثلة لجل ألوان الطيف السياسي السائد آنذاك، وفيها ولد كاتبا صحافيا تتسم مقالته "هذرلوجيا" بشموخ الصقر الحر، وصبر الجمل وغضبه إذا تحرش به حضري "خبل" يجهل حمية البعير وجنونه إذا عنّ له أن يتجاوز آداب السجال والحوار معه·

بداية احتضنه ابن العم الصديق "بو مشعل أحمد الجار الله" ومن ثم اكتشف عمنا الزميل الصحافي العجوز محمود السعدني شاعريته المواربة خلف حياء المبدع المتواضع، فكتب عنه السعدني شفاه الله مقالة مدبجة بمداد الحماس والانحياز للشاعر البدوي الجميل· الأمر الذي حرض "بو سامي" على فعل الهذرلوجيا"، وإبداع الشعر الصحراوي المدجج بقيم الصحراء وفضائها الوحشي الجديد على "ديوان الشعر" السائد في صحافتنا آنذاك·

ولا أنسى ذلك اليوم الذي كنا فيه "بو سامي والعبدلله" نتحلق حول طاولة الرسم لفنان الكاريكاتير العظيم "ناجي العلي" الذي كان ينظر إليه مليا يسبر أعماق وجدانه، ومن ثم قال: أرى في عينيك شجنا طافحا بالمرارة "شو قصتك يا زلمة؟" ولاذ صاحبنا بالصمت ولم يعقب، ووجدتني أتخذ هيئة المحلل النفسي "الفرويدي" بجرأة لا أغبط عليها وأقول: يبدو أنك يا أبا خالد "ناجي العلي ما غيره" تحاول إسقاط شجنك الفلسطيني العميق على صاحبنا الذي أظنه لا يعاني مكابدة البتة، واستمع "الربع" الى مقولتي "الفلفسية الفلسية" بآذان صاغية حرضتني على استمرار ارتداء مسوح المحلل قائلا للغائب الحاضر الشهيد "ناجي العلي" لقد اعتاد قراء "السياسة" على معرفة نبض الشعب الفلسطيني بخاصة، وقراءة نشرة أخبار الهم العربي بعامة، من خلال رسومك، وقد اخترت "بوسامي" ليتماهى مع "حنظلة" كحيلة نفسية لا شعورية لتسقط عليه همّ اليوم الذي تنزفه لعدد الغد من "السياسة" ولا حاجة بي الى القول بأن تحليلي سالف الذكر كلام "خرطي" من الذي يلوكه بعض "المتفيقهين" الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويلوكون مقولات ويصدرون فتاوى وأحكاما ما أنزل الله بها من سلطان، وقد حسم "بوسامي" مسألة الشجن مخاطبا "ناجي العلي" قائلا: صح لسانك فقد صدق حدسك، ولا غرو في ذلك، فحدس الفنان الحق، ورؤيته للناس والأحداث، أبلغ إنباء من الكتب، وتسبق حدس العلماء والمفكرين·

حسبي تدليلا على ما ذهبت إليه في هذا السياق، الإشارة الى أن رسما كاريكاتيريا "لناجي العلي" قد يختصر عشرات المقالات، ويغني عن قراءة ركام التحليلات التي تزدحم بها الصحف اليومية، واكتشفنا يومها أن هذا الشاب "الجهراوي" الكويتي "العنزي" العامل في السلك العسكري "بدون" جنسية كويتية، حين عرف "ناجي" هذه الحقيقة المرة زأر بصوت مشحون بالقهر: "يا زلمة كيف بتكون عسكري وأنت غير كويتي؟" ولم نجد مخرجا من الموقف المفاجئ سوى أن ننشد معا: (هذي الكويت صل على النبي!) فكل شيء فيها جائز وممكن، تحدث بها أمور لها العجب، وبهذا المعنى قال فيها الشاعران المخضرمان فهد العسكر، وفهد بورسلي ما يؤكد مزاعمي السابقة ويدلل عليها، والمؤسف أن ذاكرتي لا تسعفني على استحضارها·

والشاهد أننا - أيامها - على قناعة تامة أن "بوسامي" وأمثاله من المقيمين الذين ولدوا في الكويت، وترعرعوا فيها، ورضعوا حبها والولاء لها مع الحليب الذي رضعوه من أثداء أمهاتهم سوف ينالون الجنسية في يوم في شهر في سنة لا شك في ذلك، ودارت الأيام وصاحبنا على "حطة إيدك" ولم يتغير وضعه، لكن ذلك لم يغير - البتة - من غرامه المشبوب بالديرة بعامة، والجهراء بخاصة، فقد كان "أبو سامي" هو الكويتي "بالاختيار" وذلك كما ترى أعمق مواطنة من الكويتي الذي صار كذلك، إما بالتجنيس أو بالتدليس·

ولطالما ذكرت وكررت قائلا: بأن محنة الاحتلال هي التي امتحنت معدن الفئة الكويتية بالاختيار من جماعة "البدون" كما ينعتونهم و"سليمان فليح" واحد من هؤلاء لا أقول ذلك جوابا على العواطف الجياشة بالود والتقدير لشخص "العبدلله"، فضلا عن ديرة الكويت، والتي نشرها بتاريخ 5-10-2005 في صحيفة الجزيرة السعودية الغراء "ولا مقالته الثانية التي لعلع بها وغرد عبر الهاتف المحمول وسينشرها لاحقا" بل لأن الرجل يستحق كلمة حق طيبة تقال فيه كإنسان وشاعر، ففي أيام محنة الاحتلال تحول "بوسامي" في الرياض الى مؤسسة إعلامية كويتية ترفض الاحتلال، وتفضح ممارساته الإجرامية، وتدافع عن حق البلاد في الوجود، وتتماهى مع قرارات المؤتمر الوطني الشعبي المنعقد في جدة عام 1990 وتستجيب لها باستجابة عامة المواطنين وخاصتهم·

باختصار أقول "كانت استجابته لتحدي الاحتلال الغاشم تماثل فعل وممارسة أي مواطن كابد مأساة التيه والعيش بلا وطن وبيت وحارة وكل ما يمثل الوطن من رموز وقيم، وعلاقات متجذرة، وذكريات، وتاريخ، وماض، وجغرافيا بما فيها من رطوبة و"طوز" وسموم وروائح يعبق بها سيف البحر وفضاء البر·

وأحسبني واحدا من الذين فجعوا بهجرة "بوسامي" ومغادرته بلده بالاختيار نهائيا، لكن الذي عزانا - نحن معشر مريديه - أنه اختار السعودية مقرا ومن ثم موطنا· ولعلي لا أغالي إذا ذكرت بأن فجيعة مغادرته، لم تقل عن فجيعتي في أسر ولدي البكر "نواف" الذي نحتسبه شهيدا عند المولى جل شأنه·

ولست هنا في مجال استعراض مشاعري تجاهه لأنه يخبرها جيدا فضلا عن أنها ليست بحاجة الى إعلان وإشهار·

إن بلادنا - للأسف الشديد - فرطت بمئات الأخيار الذين ولدوا وتعلموا فيها حتى تخرجوا من الجامعة، فغادرونا الى الأقطار العربية الشقيقة: المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات، دولة قطر (يعني صبه حقته لبن) أو كما يقول المثل الشعبي المصري "زيتنا في دقيقنا" وكان بودي الاستطراد وإيراد مثل بالغ الدلالة لكن الحشمة والحياء واحترام الذوق العام يكبحان القلم عن البوح بقوله إن الاثنين مثل (··· في سروال)!

والحديث عن "سليمان فليح" ينسحب - بالضرورة - على كل الذين يماثلونه حبا وارتباطا وعلاقة متجذرة، وولاء عميقا لدولة الكويت وضواحيها، وقبل أن ننتمي الى قبيلة "بني نقط" كان الإنسان العربي البدوي يمتطي بعيره وفرسه وناقته ومن ثم يعبر الحدود، ويتجاوز السدود بحرية تامة، من دون أن تثلم عروبته "بركات" النفط والمدنية وحمى البورصة، وبشاعة ناطحة السحاب الحداثية،، وما الى ذلك من "بلاوي" شرذمت المجتمع العربي الكبير الواحد بأطيافه العرقية والقبلية الكثيرة المتعايشة في أمان الله·

وختاما: أقول بملء فمي "ملعون أبوك يا نفط!!" ولن أعتذر·· بل أضيف جملة أخيرة: ماذا فعلنا بك يا حضرة قصير العمر "البترول" ما غيره، وماذا فعل حضرته - طال أمده - فينا؟!

هل ننتظر عمارة "مدن الملح" في يوم في شهر·· في سنة؟ بالاعتذار من عبدالحليم تسألني: أي عبدالحليم؟ سبحان الله في طبعك النفطي الغشيم أو اللئيم إن شئت، أعني بالطبع "عبدالحليم حافظ" لا "عبدالحليم خدام"!! مع الاحترام الشديد لعبدالحليم حافظ بكل الاحتشام·

 

التوقيع

حنان محمد غير متصل   رد مع اقتباس