[موزه عوض]

"


عطش

يسألونني ..

عن مرايا الشمس ولحظة إنفلاتي
عن ساحة الحرب المفتوحة بمدائن الظلم
عن زهرتي الحمراء التي قطفها الخجل الصامت
عن عذرية ( طفلة ) هتكها يد المستعمر الغبي حين
ضاعت مع دُميتها بالحواري الجديدة .
عن أبواب الحرية الشرقية
والمدينة الغربية المُشرّعة أبوابها للطامعين / الفاسدين .
عن الشوك اللعين والذي أدمى قدمي يوم كانت فوضى الحواس منثورة
على شوارع اللهفة ..

احترق النجم وهوى على أرض الجفاف
ترممت جدراننا المنهدة بعد رحيل المغادرين بأرواحهم الى مدينتهم المسلوبة
باسمنت هزيل وصمت مقلوب على وجهه ..!
لزمتُ زاوية منزلي البعيد
أتأمل خطواتهم ..
عباراتهم المنقوشة على جدران الطين بكلمات لها وقع أقدامهم والذي
سرقته رياح الغدر وحديثهم ذو التأتأة المرة ..
غرقتُ بتساؤلاتهم الحريرية ..
هربت نحو عالمي الآخر ..

مات أبي يوما ..
وحدثتني جدتي عن تلك الحكايات التي ماتت ودفنت معهما ..

عن تلك الزقاق الضيقة
ضحكت حين لامستها بأحداقي المتلهفة لجذور العمر ..

كانوا يسألونني ..
من أنتِ ؟
من أين أتيتِ ؟
لم أجبْ ..!
استمر البكاء واللعب والركض خلف بساتين القلوب..
وعبر المدى البعيد هرولت ..
هربت ..
صرخت ..
يا أنا ..اين أنتَ اليوم مني ..؟
كانت لي أرضٌ صغيرة وكبيرة بعيون أبي
كان الخبزُ شهياً بيد أمي ..
وبجانب التنور كانت تحكي لي حكاية أبي والعطاء الأخضر ..
كُنتُ ارغب بالطيران خلف الفراشات الربيعية
ومع الخريف قد أبيعُ عمري العتيق ..!

يسألونني ..
عن حبيبي
شريك عمري
ظلي الذي أختفى
عن ما ضاع مني
ما كان في المجهول
ما جنيته من حصاد المحصول ..!
عن أُغنية يدندنها قلبي
عن ( وهم ) و ( اختلفنا )
عن موتُ الفلسفة بألف حياة أخرى قادمة نحو إنسان مظلوم ..!

سألوني ..

عن قلب أُختي حين أنساها جسر اللقاء وهوى مع الأيام بحضرة الجفاء ..
عن ذاك أخي حين ردمته الغربة تحت أنقاض الليل الغريب وخذلان الصمت ..
عن ظلمة قبر النسيان ..
عن عطش اليتيم وحاجات الفقير ..
عن انعتاق اللحظة عند شرود النغم ..
عن رؤيا الأنبياء وسقاية المسافرين لديارهم ..
عن قطرات النبع الحنونة
عن خيوط الضوء المنبعثة من قلبكَ القادم نحوي ..
عن قراراتي المشتعلة بأرق الملح والماء ..!
عن حبٌ لم يعد صالحا للبلع ..
عن براءة لوثتها قذراة العقول المنبوذة ..
عن ..أشياء بدأت ولم تنتهي إلا بموت سريري .
حين سألتهم بيقين السكينة ..
حاورتهم قليلاً
كانت إجاباتهم مشوشة
نحنُ كبرنا ..
نحن لم يعد لدينا مصير
هوانا اندثر تحت نياط الموج الكبير
شراعاتنا حطمتها رياح الصبر المرير
نحنُ احتضنا الحب بين أضلعنا بعقلٌ كبير
تلاشى حين ترجلت تفاصيلنا ومات منها الكثير ..
جراحاتنا لها دوي كاصوات الصرير
اختفت الوجوه حولنا
الوميض الأبيض خَفَتَ ..
غاص مع الشفق البرتقالي ..

سألوني ..
حدثينا عن الحزن ..؟
تمتمتُ / نزعت لثام الصمت / بدأت غريبة
قلتها لكم إنه طريق طويل ..طويل
هذا ما كان من العظمةُ لو تحدثتُ بصوتي
أو سامرتُ القمر بانتصاف الشهر
فقد غاب عن ناظري تلك الأحاديث ..

كُل ما في الأمر ..


لا أسمعُ ..


لا أرى ..


وقد ..لا أتكلم ..!

بتاريخ اليوم الخميس