منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - 15 / 8 / 1429 هـ
الموضوع: 15 / 8 / 1429 هـ
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2008, 03:11 AM   #1
جُمان
( شاعرة وكاتبة )

افتراضي 15 / 8 / 1429 هـ




ذابِلٌ كَأغصان الخَرِيْفِ
يقَتِلعُ خَطاه من الأرضِ اقتلاعَاً .. وهُو قَافلٌ فِي ذيلِ النّهارِ إلى بَيتهِ
تترَائى أمَام نَاظِريهِ صُورةُ الأصحابِ وهُم يجتمعُونَ في المَسجد استجَابةً لأمر رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ..
عندَما أَمرهم بالصَدقة لتَجهِيز جَيِشِ العُسْرَةِ في غَزوة تبوك
يُرافق الفَجرَ ذهَاباً فَيرى ما يَرقى بالرُّوح إلى أطباق السماءِ
عُمرٌ يَقسِم مَاله نِصفين ويتمتم في نفسهِ .. اليومَ أسبق أبَا بكرٍ .. ويأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسَلم ليقول لهُ سيّد الأولين والآخرين مَا أبقَيت لأهلك .. فيقُولُ أبقَيت لَهم مِثله
ثم يَأتي أبو بكر بكل ماله يقيناً بِما عند الله ويضعه في المسجد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ما أبقيتَ لأهلِكَ .. لِيُجيب : أَبْقَيتُ لهمُ اللهَ وَرَسولَهُ ..
و يَلْتفَت إليْهِ عُمَر تَرْتَسِمُ عَلَى شَفَتَيْهِ ابتِسَامةُ عَجْزٍ المُحبِّ عن مسَابَقةِ الحَبيبِ ويَقول : والله لا اسْبِقُك َإلى شَيءٍ ابَداً
وبيْنَمَا الصّدَقاتُ تتكوّم بَيْن يَدَي رَسُولِ الله صَلى الله عَليه وسلم كرُكام السّحاب المُكتظّ بالمطر
إذ تُقبل قَافِلة لِـ عُثْمَان .. ثَلاُثمَائة بَعِيْرٍ بأحلاسِها واقتَابِهَا تَحْمل تجارةً من الشّام
فَيَتَصدق بها كاااملةً للهِ ولرسولهِ لاعداِد ذَلك الجَيشِ
ويكبّر من في المَسجدِ ثم يَرمقهُ رَسول الله صلى الله عليه وسلم بِنَظْرَ ٍالمُحب ويَقول أمَام الأصحَاب : ماضَر ّعثمَان مَافعلَ بعدَ اليوم
ويَأتي الآخر بمالٍ يملأُ يديه هُو كلُّ مايملكُ منْ حُطامِ الدنيَا
والآخرُ يأتِي بأثاثِ بيِتِه فَرِحاً أن وجد ما يشَاركُ به زُمرَة النّورِ..
وكلٌ يَبذل مَايستطيعُ قلّ أَم كَثُر
كل ذلك كَان أمَام نَظَرِ ذلك الأنصَاري الذي ضَاقتْ عليْهِ الأرضُ بمَا رحبتْ وضاقت عليه نفسه بَعد أن عاد إلى بيتِهِ وقد جَافى النّوم عَينيه وتكحّل السهر ..
التفت يمنةً ويسره فلَمْ يَجِد شَيْئاً يهبهُ مَع الأصحَاب لِيَعيش رَوعة البَذلِ ويَنَالَ عظيمَ الأجرِ
إلا إجانة وجفنه يستخدِمُ احدَاهَا لوضُوءِهِ والأخْرَى لطَعَامِهِ
وجَلَسَ طول ليلهِ سَادراً مفكراً تعانقهُ صورة الأصحَاب
منظرٌ تكرر على مدى ثلاثة أيام يسرق الدمعة من العين .. ويُقندلُ القلب بين السمَاء والأرضِ
وعندمَا انتصف الليلُ فرّت من عينيه دمعةٌ خرساء
وجثَى على ركبتَيهِ .. فِي منظرٍ يُصوّر حُرقةَ المَحرُوم
وفجأة رفَع رأسَه إلى السَماءِ وتمتم بكلماتٍ صادقاتٍ من قلبٍ يحترقُ شَوقاً للبذل
وقال :
اللهُم إنَه ليْسَ عندي مَا أتصدق به،
اللهم إنِي أتصَدقُ على كلّ مُسلِم بكلّ مَظلَمةٍ أصَابني فيَها من مَالٍ أَو جَسَد أو عِرْضِ،
اللهم أني عفوتُ عمّن ظلمني ../ وتصدقتُ بعرضي على الناس
دعاء صَافح السماء ذات صدق ففتحت له ذراعيها
لم يكن يملك من متاع الدنيا شيء .. فتصدق بعرضه على الناس
ونَام سَليمَ الصَدر قَريِر العَينِ
وفِي فجرِ اليَوم التَالي ..
وبعد أن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفَجرَ بأصحَابهِ التَفَت إليهِم
وقَال : أين المتصَدّق البَارحة؟ .. فَسكتَ الجَميعُ ولم يتوقّع ذلك الانصَاري أن يكون هو الَمْعنِي بالامر .. وعندما كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم السُّؤال
عَلِم أن الوَِحي قَد تنزل على رسول الله واخبَرهُ بِصَنِيِعِه البَارِحة
َفَقَال.. أنا يارسول الله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمةً .. كَادتْ أَنْ تَخْلَع قلبَه من مَكانِهِ
فرحَاً بها وارسلت الدمْعَ من عَيْنَيْهِ
أما والله إنّ الله قَد كَتَب صَدقتكَ مَع الصّدقاتِ المُتَقبلَةِ ..


وبعد ../
فليس أسعد للمرء ../ ولا أطرد لهمومه ../ ولا أقر لعينه ..من أن يعيش سليم الصدر، بعيداً عن الحَسد والحقد،
فرحاً مستبشراً بالنعمة تُساق إلى غيره، رقيقاً قلبُه، مطمئناً فؤاده لما يناله من خير قلّ أم كثر ، ذاهلاً عن كل قولة سوء تدور حوله .. واثقاً من عظم أجرها عند الكريم
نافياً عن قلبه كل حقدٍ وبغضاء .. وليس كمن ينفخ في نارٍ تختبيء تحت الرماد

ثم ../ ها نحن نطأ أعتاب شهر من خير الأشهر عند الله ..
شهر يغفل الناس عنه .. شهر شعبان .. يطّلع ربنا سبحانه في ليلة النصف منه إلى جميع خلقه
فيغفر لجميع عباده إلا مشركٌ أو مشاحن .. كما ورد في الحديث الصحيح

قال رسول صلى الله عليه وسلم:
"يطلع الله تبارك و تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشركٍ أو مشاحن"
السلسلة الصحيحة


لا يحمل الحقد من تسمو به الرتب ** ولا ينال العلا من طبعه الغضب



كَـ خطوٍ وئيدٍ../ تُقبِل لَيلةُ : 15 / 8 / 1429 هـ

فَـ ../ بِمَ نستَقبِلُها

.

.

 

التوقيع



[ اللهُمَّ آتِ كُلَّ ذِيْ قَلْبٍ : قَلْبَهُ ]

جُمان غير متصل   رد مع اقتباس