منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رحل الطيب __ و الأشياء تبكي __ !
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-16-2007, 09:32 PM   #1
زهرة زهير
₪ •• قدّيسةٌ كَـ شِتَاءْ •• ₪

Arrow رحل الطيب __ و الأشياء تبكي __ !


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

إيــــــه يا أمي ..

رحل الطيب و الأشياء تبكي !
:
:
بكى التين و الزيتون .. بكت بيوت الطين ..
حتى الأبواب صريرها ناي مبحوح كأنها تخبرني بعزائها لي !
بكت الأوراق الخضراء يا أمي .. اصفرّت وكأنها تقول لا حياة و قبس النور قد رحل !
وشجرة البن التي فقدت لمسة أنامله الحنونة نحيبها يخرق آذان روحي !
عصاه التي كان يتوكأ عليها لم تعد تحتمل لواعجها..
تترنح ثم تسقط لا تقوى الوقوف !
كان الممتد من أصولي العطرية .. يحمل في تقاسيم وجهه البراءة و ثرثرة الصمت
تلك الإعاقة لم تهتك ملامح الحياة المزهرة على ثغره الباسم !
عيناه الجميلتان كانتا بلون السماء ذات خجل ..
حدقتيه لؤلؤتان تعكسان مدى اخضرار العمر في قلبه
لم يكن من المختبئون خلف الزجاج ليقذف الآخرون بالحجر !

لحظة يا أمي .. لحظة يا دمي

هل لي الالتفاف حول ذاكرتي و دس هدوئي بها ؟!
علني أجد ما يهدئ روع خاطري !


أتذكر أني كنتُ طفلة لم أتعدى الثالثة من عمري ..
كالغازات أرتفع في الكؤوس الباردة لأتقاطر ندى أبلل شفاهه العطشى لشقاوتي !
كانت الأشياء تعشقه لطيبه , و عفويته , و عناده أيضاً ..
كلما أقبلتُ حيثه تساقط الكلم من شفتيه فرحاً لرؤيتي ..
وكأني المعول الذي يقتلع جذور العلقم من جسده لأثمرني سُكّر يشتهيني كلما لوّحتْ له حواسه بالتعب ..

يا أمي لم أكن حينئذ صغيرة لا تستوعب الأشياء!!
إن ذكراه كالظلال لا تخون أصحابها..
انظري إلى طفلتك الآن !
ها هي تعتصر بالذاكرة عالماً ضج به ..
وتلوي عنق ماضي و أماكن تبكي عليه لتسكبه في كؤوس حرقتها حرفاً ..

هل أجهدتُ مسامعكِ بالنداء ؟!
اعذريني ولكني سأعود لأقول .. يا أمي ..
هذا الرب الرحمن الرحيم رب العرش العظيم الذي تعالى عما يصفون قد أنصفني !
كانت السنون تعضّني لفراقه عشرون عاماً .. وكان اللقاء يعضِني بعد هذا العمر !
سبحان من جمعني به قبل تلاشي عمره بشهرين كريمين من رب كريم ..
قد مد لي يد العطاء ليدفئني من برد الفراق ..
:
:
هذه آه أخرى تلبستني كخطيئة تحرق صدري أشعلتني ولم أشعلها!
لعمري إن هذا الفراق يقسمني نصفين .. الأول يشهق العمر الضائع و الآخر قد مات ..
ويح دمعي مني .. ويلي من التفاف الساق بالساق ..
يوم لن ينفعنا مال ولا بنون .. ولا عقل أو قلبٍ حنون ..


يا أمي
العمر فات .. والرجل الطيب مات ..
و ذكرى ما قبل الأمس .. لم تذر لي إلا بقايا آهات ..
تلتف حول جثمان ذكرى تردد ما كان ..


رحل الطيب .. و الأشياء تبكي !
رحل الطيب .. و الأشياء تبكي !
فكيف له الرحيل ؟!



رحمك الله يا عمي و أسكنك فسيح جناته
و أسبغ عليك رحمة و رضوان
وجعل قبرك روضاَ من رياض جنته
بحق أهلك و ذويك و سرك المستودع فيك
آمين





بقلم // زهرة زهير
إبتسامة جرح
كاتبة تحبو على أحرف عقيمة
15/11/2007

 

التوقيع

صِيت السَماء المُنهَمِر !



twitter :
Bucephaluseeyah@
zahrah zuhir

زهرة زهير غير متصل   رد مع اقتباس