منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - [ نصوص ] ... خارج النص .
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2014, 07:45 AM   #1
صفية عبد الله
( كاتبة )

افتراضي [ نصوص ] ... خارج النص .


( 1 )






........ كانت أذني اليمنى مثقلة السمع تماماً بينما لم يكن يلج للأخرى سوى معزوفة صرصار المزارع ، وقد غطى السواد كل شيء من حولي
إلا هالة من نور انبثقت من أغوار قلبي الريفي وأحاطت بروحي
لتعيد فيّ الحياة .. كلّ الحياة ،
فقد كنت أتنفسها روحاً وريحاناً رغم أني في خضم موتتي الصغرى ، و نسمات من عبق الخضرة الندية وشذى أزهار برية تأبى ألا أن تتأخذ أنفي فرئتي فدمي لها ملاذاً أبدياً ، ففي فردوس الدنيا أنا..
كنت أرفل بين
لحاف من القطيفة و نمارق قطنية ، وكل المساحات من حولي زكية ..عذبة ..نقية..
وكل المساحات من حولي ..

هادئة ساكنة كطفل وليد بين ذراعي أم يدفئه دمها ،و تعطره أنفاسها ،و تتلو في أذنه خفقات قلبها تهويدة يرقد منها بسلام ،
ولأبد الآبدين حسبت في تلك الحال الدوام .


.........
......
أصبحت أذني اليسرى مثقلة السمع تماماً بينما يقتحم الأخرى قسراً طرق لصفائح من معادن ، و لأول وهلة بدأت أبصر السواد حالكاً و قد هالني ! فتحولت عن جنبي فلعلي باليمين أنجو ،
ولكن هيهات ..
فالظلمة قد أدلجت قلبي ،وطوقت عنقي تنتشلني وتدقني في رحى ماضٍ كئيب ..
ذاك الزمان ..
حين شدهني في الصحيفة صورة سيارة وفتى وجسر وطريق أسفله و .. ابن جارتنا والأخ الأكبر لصويحباتي ولي،
حينما كنا جاريات نلعب في الحي..
لأجد خبر انتحاره قد كان أول عنوان .

لا ، بل قد تحولت الذكرى عن حديثها الخبيث اللعين ..
حين جاءنا بالفاجعة رسول : " هل تعلمون فلان يافع الشباب ، في البيت خلف المقابل لنا ؟
فهو أردي قتيلاً بفعل ابن عمه في خصومة وفجور ".


وبينما تمضي الساعات والساعات ..
لم تكن قريتي الصغيرة كعادتها تهدأ في آخر ساعات الليل الأولى؟ وحيث ..
أسترق النظر من نافذة شرفتي نبع الهواء الذي أفضله على التكييف في مثل هذه المساءات الربيعية ،
فأبصر الشارع العام الذي بيتي واقع في زواياه..المحطة ..تلك الأرض الفضاء ..كل شيء صامت ساكن كصورة فوتغرافية ، ..
لا ، لم تهدأ صغيرتي هذه المرة ..
فالأرض الفضاء التي كانت تزم آثار المطر وتحضنه حباً ثم يطيب لها العيش مع ورقة أو اثنتين تخرجان من رحمها..
تلك مفضلتي تغيرت ولم تعد كذلك ..
بل وقد غُير حتى اسمها إلى ..أرض تجارية ..
يغرز في أحشائها الأوتاد فتبكي جعجعة وطرقاً ،
و نديمها شارعنا العام المحب الطاهر ..
حيث يرقد أول الليل ويستيقظ مع المصلين مع بزوغ الفجر ،..؟
لا، لقد تغير ولم يعد أبداً كذلك بل بات فاجراً يراقص الحافلات والعربات بل وحتى الدبابات ؟ ويطرب بشتى أنواع
الأبواق ، و لا يرقد إلا مع الشياطين .

فعدت وعاد رحى الماضي يدقني ..
فيذكرني بالقرص الصباحي الصغير ،و الأنابيب ،والأسرة البيضاء التي لطالما أودع طريق العمل من جنوب إلى شمال الرياض أبتي فيها ، وفي غياهب العذاب ،
وأما صويحبتهما تلك الملاصقة تماماً لحائط منزلنا فقد باتت ضمن مشروع تعمير المخططات الجديدة.. مطعماً ..،
أغلقت النافذة ثم تحاملت قدمي
ولست أكاد أحملهما ،وعدت بأسى ،فألقيت بنفسي على السرير في مشهد مسرحي مصطنع باهت ميت كالرماد ،
وإذ لم أقفز كالعادة أو أقتنص طرف لحافي ليحويني بتحنان وحتى أخمص قدمي ، بل
تمددت ومددت أطرافي المتخشبة حزناً ثم تقوقعت، و سحبت ذيلاً منه لأغشي به عيني ،
وحينئذ بدأت أشعر بالبرد القارس ،وكأنما روح الهناء تنتزع من جسدي ـفقد تجمدت أطرافي ،وبت أتلو بيأس آية الكرسي
،فلعلي ..أخلد بسلام ،

وفجأة؟

تعالت صيحاته..!
هو ..
جائع منتصف الليل :

"أعطيتك ثلاثين ..!
ثلاثين ريالاً ،
فأعطني حبة و نصف
".

حينئذ أدركت بأنني أبداً ..
لن أهرب من ..
.
.


شبح المدينة .
28/4/2013
.



يحرم النقل بكل صوره فالحقوق في الدارين محفوظة!

 

صفية عبد الله غير متصل   رد مع اقتباس