منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ناسكة خاطئة
الموضوع: ناسكة خاطئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-15-2016, 05:11 PM   #3
أحمد الأخرس
( شاعر وكاتب )

الصورة الرمزية أحمد الأخرس

 






 

 مواضيع العضو
 
0 ناسكة خاطئة

معدل تقييم المستوى: 0

أحمد الأخرس لديه هالة مذهلة حولأحمد الأخرس لديه هالة مذهلة حولأحمد الأخرس لديه هالة مذهلة حول

افتراضي


ناسكة خاطئة "2"!

"رسالة لن تصل أبدًا"



بي من الحزن ما يكفي لصنع ألاف الشُعراء، ومن البلاغةِ عجز طفلة صغيرة عن النطق بعد أن أنهكها البُكاء..
ما زالت الحياة تشبه ذلك المطعم الفاخر.. نطلب به وجباتنا، ويأكلها الآخرون، والحساب مزيدًا مِن سنين العُمر..
كل تلك الدروب التي كُنا نقطعها معًا ياجمال، صرت أتعثر عليها اليوم وحدي..
أنت تمضي، وأنا أحاول اللحاق بك، والمسافة بيننا في اتساع لا يضيق..
حلمي الذي حِكته بك كي ارتديه حين يجلدني الشتاء، ترتديه اليوم امرأة غيري لم تشعر بالبرد يومًا..
ولم تناطح كفها مخرز الأيام لتنزف ولو نبضة في سبيلك.. والآن أقفُ بعد أن غلّقتُ أبواب فرحي،
وأقول للحُزن هيت لك، فلا يخاف الله بي..
يُبجّله شاهدي، ويباركه عزيزي.. وأرى في عينيه.. سبعينًا عجاف!
ربما بشيءٍ من الحياد، قد أرى أني لا أصلح لك!
جميع من في الأرضِ أنبياء، وأنا الزانية الوحيدة، وزانية مثلي لا تصلح لنبيٍ مثلك حتى لو كانت فقدت طهارتها على يديه!


***



"رسائل نصيّة قديمة"

3: 45 A M
جمال.. أتعرف ما الجديد؟ صرتُ أغرس اصبعي الأوسط في عين ذكراك كل صباح!

3:45 A M
جمال.. ذاكرتي العوراء تلعنك كُل يوم..

3:46 A M
جمال.. أمس روادتني نشوة عارمة احتلت جسدي كالزلازل، حين تخيلتُ أني أبصق في وجهك!

3:48 am
جمال.. أنت دنسٌ ابن كلب..

3:52 am

جمال.. عُد لي.. والله أحبك!


***


"قصاصة"

هذه الأغنية صارت عذابًا مُقيمًا.. لا يفارق رأسي..

لا إنت وردة، ولا قلبي مزهرية من خزف
صدفة واحدة جمّعتنا.. شفتي وشلون الصُدف
التقينا في مدينة.. وفرقتنا ألف مينا
اغفري للريح والموج والسفينة
كانت الرحلة حزينة للأسف!


***


"مُذكرات خنساء"

سأخلدُ للبكاء..
أقولها كل ليلة وأطفئ الضوء الذي لم يعد يختلف عن الظلام كثيرًا في عيني،
ثم أطفئ نفسي وأدفنُ حُزني في صدر الوسادة أهديها رزقها وكفاف ليلتها مِن الشتاء وأنام!
آهٍ لو كان لوسائدنا لسان يحكي.. والله لأبكت أوجاعنا العالمين!
كان النوم دائمًا مهربي الجميل، إلى أن قررت تلك الأحلام أن تزورني، وتشارك بدورها في مهمة تحويل عُمري رمادًا تأنفه الرياح!
أحلام شاحبة قاتمة سوداء، بدأها حلم مشوّه رأيتُ به أبي يموت، مازال عصيّاً على ذاكرتي لفظه إلى نسيان قريب..
لا أذكر الكثير من تفاصيله، رغم أن كل شيء به كان واقعيًا إلى حدٍ مرير..
ملمس جبين أبي البارد حين لثمته، ذلك البلل في صدري تحت ملابسي الذي خلّفه انهمار دموعي المستمر..
وجه أمي الشبيه بصومعةٍ تقيم بها قبيلة مؤمنة من الأحزان الليل ولا تقعده!
ثم استيقاظي فجأة من النوم مشلولة أبكي مِن كل غيوم السماء!
كان مجرد حلم.. أبي مازال في سفره، وأمي ما زالت تندب حظها الذي أهداها تلك المُصيبة (أنا)..
قلبي ما زال ملقى في أقذر طرقات المدينة تركله أرجل الغرباء!
حسنًا.. مازال كل شيءٍ بخير!


***


لكن الأحلام لم تتوقف..
وكانت تزداد غرابة وسوداوية وواقعية مُنهِكة كل مرة!


***


تقول لي أمي وهي تقلّب صفحات كِتاب ما، وهذه طبعًا واحِدة مِن اللحظات النادرة التي نجتمع بها على أريكة واحدة:
- جاءكِ عريس.
الموضوع المُنفر ذاته..
أسألها في فتور وأنا أتأمل صوري الباهتة في مقبرة هاتفي:
- هل هو مناسب؟
- مناسب.
- اخلعي أبي وتزوجيه إذن!
أغمضت عينيها للحظة مانعة نفسها -بإرادة لا بشريّة- من اقحام الكتاب في عيني وأكملت:
- ستزورنا أمه بعد غدٍ لرؤيتكِ، أرجوكِ حاولي أن تكوني أقل وقاحة.. واثارة للشفقة!
وضعتُ الهاتف من يدي ونظرتُ لها مستنكرة:
- هل تعنين هذا حقًا؟ أنتِ تعرفين رأيي في الزواج في أيامنا السوداء هذه، أمي ماذا لو كان شاذًا، أو مهووسًا، أو داعشيًا.. ها؟
بادلتني الاستنكار باستنكار أكثر حِدّة ومنطقية:
- داعش؟ حقًا؟ حتى لو كان كذلك، أعدكِ أنه سيتوب إلى الله توبة خالصة بعد أن يرى حقيقة شجرة الزقوم التي تزوّجها وأسكنها بيته،
أو ربما سيبخع نفسه على الطريق العام ويعيدكِ لي أرملة تتعفنين هُنا!
- أنا أتعفن منذ الآن..
القت الكتاب من يدها ونهضت قائلة:
-ابن خالتكِ عادل مريض، ارتدي ملابسكِ وسنذهب لزيارة خالتكِ الليلة.
-اذهبي وحدكِ أنا أكرهها.
- ستذهبين من أجلي لا من أجلها..
أجبتها في رقة:
- لن أفعل.. فأنا أكرهكِ أنتِ ايضًا!
نظرت لي في طيبة وهمست:
- سأحرمكِ من هاتفكِ المحمول اسبوعين إذن!
- أمهليني دقيقة وسأكون جاهزة.. أحبكِ "ماما"
تلك العجوز تستطيع أن تكون مقنعة متى تريد!
ما لم تعرفه أمي أن جدارًا عتيقٌ مِن الحُزنِ كان يسد طريقي لبيتِ خالتي باستمرار، جدارٌ يحمل اسم عادل..
لا أذكر كم كان عمري بالضبط وقتها لكنّي أذكر تمامًا مذاق تلك الحسرة التي زرعها في صدري
وظللتُ أجني مرارتها على امتداد درب حياتي المدروز باللوعات!
رسمتُ على جدار قلبي نافذة ليدخل منها الضوء، فهربت مِنها طفولتي وذاكرة بيضاء من غير سوء ككفِ نبي الله موسى!
كنتُ دائمًا تاجرة خرقاء، تبيع المعاطف في بلدة لا يُعانقها الشتاء!
وكان عادل أول الخسائر في حياتي.. وأول الأوجاع..
أذكر أحلامي السخيفة ليلتها، وكيف نسجتُ لها أجنحة الفراشات لتحملها مباشرة نحو النيران!
أذكر صوت رنين خطواتي المتجهة صوب غرفته -والشبيه برنين أجراس كنيسة عتيقة،
يُبشر بقدوم عامٍ ميلادي/موتيّ جديد- بعد أن انسللتُ مِن جوار أمي..
أذكر جيوش الكلمات التي احتشدت في فمي لتلقي على عينيه السلام..
وحين رأت خيبتي هربت جميعها إلى داخلي بخفيّ أنين مِن شظايا أدمت شفتي وتركت لي لسانًا مبتورًا لا يفارق قبر فمي!
والعجيب أني شعرتُ بخيطٍ مِن الدماء يسيل على ذقني جهلتُ مصدره!
سمعته ليلتها -عادل- يتوسّل امرأة ما على الهاتف كي لا تتركه، يسحق رجولته أمامها باكيًا مُستعطفًا..
دار الأمر بسرعة حادة بعدها.. رآني، صرخ في وجهي يسأل عن سبب وقوفي هنا،
دفعني في صدري بعنفٍ لم يقصده، فأسقطني على ظهري أبكي ذنبًا لم أقترفه!
حسنٌ استمرت الحياة بعدها.. اعتذر عادل كثيرًا وبكى كثيرًا على مدار أيام..
هو رجل حساس ولا أنكر هذا، لكنّه انتهى تمامًا بالنسبة لي.. صار في الحياة شيء كأثداء الرجال.. لا قيمة له!
واليوم وبعد كل هذه الوقت، لا أحد غيري يعرف أن جزء مِني ما زال ملقى على عتبة غرفته هناك، تدوسه أقدام السنوات ولا يموت!


***


بيت خالتي مِن جديد..
الجلسة الكئيبة ذاتها كل مرّة
الجو الخانق ذاته
الأشخاص ذاتهم..
الثرثرة ذاتها والنميمة الباحثة في حياة الآخرين عن حُزنٍ أمين نركن إليه، فنقنع أنفسنا كذبًا أن حياتنا ليست بهذا السوء!
عادل في غرفته تتناوله الأدوية، وتعلكه الحمى، وتبصقه الحياة.. بعد زواج قصير فاشل لم يدُم أكثر من عامٍ ونصف.
غادرتُ مجلسهم وأخذتُ أتجوّل في البيت.. هذه المرة أنا أنثى واثقة لا صبية آملة، وبين هذه وتلك، ضاعت هويّة هذا العمر!
أقف أمام المرآة اتأمل ملامحي الشاحبة، فأرى بها الليلة شيء من جمال غريب.. وشيء من قسوة قديمة نحتتها الأيام بدقة عليها..
روحي سوداء، وأحزاني سوداء، وأفكاري سوداء، وباب غرفة عادل خلفي يُداعب نيّة شيطان بداخلي لم تتوقف عن مراودتي منذ أتيتُ!
ربما حان الوقت لأنتشلني الليلة من سقوطي القديم.. واهداء هذا البيت فاجعة استحقها منذُ ثلاثة عشر عامًا!
أطلق سراح شعري على كتفي، وأبتسم لنفسي ابتسامتي الأثمة التي أحبها، وأدندنُ في خفوت:


التقينا في مدينة.. وفرقتنا ألف مينا
اغفري للريح والموج والسفينة
كانت الرحلة حزينة للأسف..
كانت الرحلة حزينة.. للأسف!

تيرارارا



يُتبع..

 

أحمد الأخرس غير متصل   رد مع اقتباس