في بداية المرحلة الثانوية استطعت أن أٌقيم في سرداب منزلنا مكتباً صغيراً بعض الشيء،
كان يحتوى هذا المكتب على مجموعة من الأرفف العريضة وخزانة متوسطة الحجم ، من دون
أن أتلقى أي المساعدة من أفراد أسرتي ، وبعد الانتهاء مباشرة من إعدادها بشكل جميل أول ما فعلت
أنني أخذت بيد أبي نحو السرداب كي يرى مكتبتي ، وكي تتشرف مكتبتي وتتبارك في دخوله لها ،
وقف أبي في المكتبة يُقلب بها النظر يميناً وشمالاً وينظر أمامه وخلفه ، فقال: ينقصك الكثير من الكُتب ؟
فابتسمت له بخجل الابن دون أن أنطق بكلمة واحدة . فقال: حسناً هذه سهلة .
ثم قال بعدها: وينقصك طاولة وكرسي كي تكتمل مكتبتك على أكمل وجه ،
حسناً ستكون الكُتب والطاولة والكرسي هدية من عندي لك ،
يكفي أنك شيّدت هذه الحيطان وأثثتها بما احتوت من جيبك الخاص دون أن تطلب مني أي مساعدة .
وبعد وقت يسير قدم لي هدية مبلغاً من المال كي أُكمّل المكتبة بما ينقصها . وفي هذه المكتبة قضيت لحظات
جميلة لا تفارقني حلاوة نكهتها في حِلي وترحالي ، حيث كنت في هذه المكتبة أكبر وأتقوى وأُبصر وأحلّق
في أُفق الدنيا بلا جناحين . كانت هذه المكتبة أعز عندي وأغلى من وجوه كثيرة لا تعرف في هذه الدنيا الكبيرة
إلا طق الحنك ، وقضاء أوقات طويلة بلا فائدة حقيقية .