منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - قردة وخنازير (رواية)
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-26-2019, 05:55 PM   #19
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2618

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


(7)

كانت واقفة أعلى السلم وهي تخفي يدها اليمنى وراء ظهرها وفي عينيها نظرة ميتة لا انفعال فيها..
كان عليه أن يتوقع هذا على كل حال.. لا يفل الحديد إلا الحديد.. يمكنه أن يخدع رجال الشرطة.. لكنه لن يخدع أبناء كاره فهم الذين دربوه على كل تلك الوسائل .. لذا هم يتوقعون كل تحركاته..
لكن كيف علموا أنه هنا أصلاً ؟.. هذا السؤال خطأ كبير في حق الأسرة..
للحظات ظل الموقف جامداً.. هي لا تتحرك ولا تطرف عيناها، وباسم يصوب إليها سلاح الشرطي مهاب وهو يفكر.. كيف تتصور أنها ستصنع شيئاً بسكينة مطبخ وهو يصوب إليها مسدس؟
ـ أنا لا أريد إيذائك..
هنا فاجأته بسؤال غريب كأنها كانت مشغولة أثناء هبوطها بحل الكلمات المتقاطعة :
ـ هل تعرف معنى تارتاروس؟
سؤال غريب في وقت أغرب.. قال لها وهو يحكم التصويب إلى عينها الميتة:
ـ إنه اسم كسائر الأسماء التي يعج بها النظام العالمي الجديد..
ـ تارتاروس عند الإغريق هو أسوا مكان في الجحيم..
هز مسدسه في وجهها وصاح في غيظ :
ـ ما شاء الله أنت مثقفة جداً.. لكن لو تدرين.. لو لم نتحرك الآن سيتحول المكان كله إلى جحيم حقيقي ..
قالت وهي تواصل الهبوط ببطء كأنها لا تسمعه :
ـ سينتهي كل شيء بسرعة.. وبهدوء..
ـ حذار لا تتقدمي أكثر..
لكنها رفعت سكينها وهجمت عليه ..
ضغط الزناد تلقائياً وهو يميل جانباً ليتفادى هجمتها الشرسة.. كان جسده يرتجف من رأسه إلى أخمص قدميه.. وظل فترة مستنداً بظهره إلى الجدار وعينه لا تفارق جثتها التي انكفأت على درجات السلم .. الغريب أن السكين ظل في يدها..
لم يصدق أن هذه المرأة الكابوس انتهت هكذا في طرفة عين.. كأنها كانت مقدمة على الانتحار لا أكثر.. لقد قتل الكثيرين في تارتاروس.. القتل شيء سيء لكن الأسوأ أن تكون أنت المقتول..
هكذا انتزع نفسه من تأملاته وارتدى قناعه بسرعة ثم بدأ يثب فوق درجات السلم ..
أخيراً السطح..
اتجه عدواً إلى حافة السور.. ومنها قفز إلى سطح المبني الملاصق..
وهكذا ظل يثب من سطح إلى سطح حتى ظن أنه ابتعد عن الخطر بالشكل الكافي، فتوقف عند أحد الأسطح واتجه إلى السلالم..
حينما بدأ يهبط الدرج اكتشف أن المبنى الذي اختاره أشبه بمصنع مهجور.. وكان هذا مناسباً تماما.. فليس لديه وقت يضيعه مع الفضوليين.. لكن عند نهاية السلم شعر بتلك الوخزة في فخذه فتوقف.. نظر فرأى ذلك السهم مغروساً في أعلى فخذه.. رفع طرفه ثانيه فرأى شبح شخص يختبئ هناك خلف مجموعة من الصناديق..
هناك من يريد تخديره لسبب مجهول.. بدأ يفقد الإحساس بساقه المصابة فأخذ يثب على ساقه الأخرى محاولاً الخروج من هنا قبل أن.. تباً إن ساقه الأخرى تخذله هي أيضاً.. سمع صوت الخطوات من خلفه فاستل مسدسه وأستدار بصعوبة شاعراً أن قدميه مغروستان في قالبين من الخرسانة المسلحة..
هنا رآه بوضوح وهو يحمل قاذفة أسهم بدائية في يده.. كان شاباً طويل القامة نحيل، محني الظهر، تحت عينيه هالات سوداء.. إنه لا يرتدي قناعاً.. إذن الجو هنا مفلتر .. وبدا في وقفته مطمئناً وكأنه واثق من أن باسم لن يتمكن من إيذائه..
بالفعل حاول باسم أن يطلق الرصاص لكن يده خذلته.. وخر على قدميه والرجل يضحك..
ـ ما.. ماذا تريد؟
كانت تلك أخر كلمة قالها قبل أن ينعقد لسانه بفعل المخدر.. طبعاً عبارته تلك لم تتجاوز قناعه فلم يسمعها غيره ..
حينما اقترب منه الرجل بوجهه الشاحب، كان يبتسم في ود مفزع وهو يتفرس في ملامحه ..
ـ يا للمصادفة الكبرى.. أنت الشاب الذي كاد يفقد حياته بالحانة من أجل العاهرة.. تعرف عندي لك مفاجأة سارة.. لقد احتفظت لك بجثتها هنا في وكري.. اطمئن هذا المكان مهجور لا يوجد به أحد إلا أنا وأنت وجثة فتاتك.. لقد مللتها خصوصاً بعد أن بدأ العفن يدب في جسدها.. لكنني احتفظت بالأعضاء المهمة قبل أن تتلف.. سأضمها إلى أعضائك الطازجة طبعاً وستجتمعان يوماً ما في جسد أحد الأغنياء من الشرائح العليا والذين يدفعون كثيراً لأمثالي في مقابل هذه الأشياء..
كان الخدر قد سيطر على كل جسده فلم تبق إلا عبرات يائسة تسيل من عينيه الجامدتين..
شيء قاسي جداً أن تجد نفسك بعد كل ما فعلت، قد وقعت بالصدفة في قبضة مريض بالنيكروفيليا، وتاجر في الأعضاء البشرية كذلك.. وأنت معه بلا حول ولا قوة.. شيء قاسي جداً حينما تعرف المصير الأسود الذي صارت إليه أمل.. والذي ستصير أنت أيضاً إليه بعد قليل.. ولا تملك حتى أن تصرخ محتداً.. العزاء الوحيد أنك ستغادر هذا العالم الكئيب بعد قليل.. لا يهم ما سيصير إليه جسدك، المهم أن روحك ستحلق بعيداً عن هنا .. ربما حلقت هناك في العالم الذي حلمت به يوماً .. صحراء ممتدة بلا نهاية .. سماء صافية مرصعة بالنجوم .. وهدوء .. أهم شيء الهدوء ..
عاد بوعيه الشارد لعالمه الأسود ليرى الشاب مشغولاً في المفاضلة بين مجموعة رائعة من السكاكين البراقة .. لم ينتهي هذا الأحمق منه بعد..
هنا تراها.. رأسها الدقيق يبرز من خلف كتف الشاب حيث جلس القرفصاء.. إنها نفس الفتاة الصغيرة التي أعطتك القناع الواقي يوم الحانة ..
إنها تبتسم في رقة، وتلوح لك بكفها الدقيق.. ترى هل جاءت لتنقذ حياتك ثانية؟.. أم أنها جاءت لتقول لك: الوداع ..

***

ليلى تعاني آلام المخاض..
تفكر في زوجها الأحمق الذي طلقها وجن قبل أن يعرف أنها حامل..
حامل في الطفلة التي يريدها..
لكنها للأبد ستظل تعمل من أجل تحقيق حلمه في ابنته.. سترحل بها بعيداً بعيداً عن كل هذا الصخب المحموم ..
صحراء ممتدة بلا نهاية .. سماء صافية مرصعة بالنجوم .. وهدوء .. أهم شيء الهدوء ..

***
نهاية الجزء الثاني..
ويليه الجزء الثالث والأخير..
( اللامنتمي).

 

التوقيع

" تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَة ..
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!"

( أمل دنقل)

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس